فصل: في ذكر نبذة من مذاهبهم
قال أبو حامد الطوسي: وعقائدهم وأعمالهم تباين الإسلام. فمن مذهبهم الباطنية قوم يدعون الإسلام ويميلون إلى الرفض. قالوا والسابق لا يوصف بوجود ولا عدم ولا هو موجود ولا هو معدوم ولا هو معلوم ولا هو مجهول. ولا هو موصوف ولا غير موصوف وحدث عن السابق الثاني وهو أول مبدع. ثم حديث النفس الكلية. وعندهم أن النبي عليه السلام عبارة عن شخص فاضت عليه من السابق بواسطة الثاني قوة قدسية صافية وزعموا أن القول بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني. جبريل عليه السلام عبارة عن العقل الفائض [ ص: 105 ] عليه لا أنه شخص. وأنكروا المعاد وقالوا معنى المعاد عود الشيء إلى أصله وتعود النفس إلى أصلها وأما التكليف فالمنقول عنهم الإباحة المطلقة واستباحة المحظورات وقد ينكرون هذا إذا حكي عنهم وإنما يقرون بأنه لا بد للإنسان من التكليف فإذا اطلع على بواطن الظواهر ارتفعت التكاليف، ولما عجزوا عن صرف الناس عن القرآن والسنة صرفوهم عن المراد بهما إلى مخاريق زخرفوها إذ لو صرحوا بالنفي المحض لقتلوا فقالوا معنى الجنابة مبادرة المستجيب بإفشاء المستجيب بإفشاء السر ومعنى الغسل تجديد العهد على من فعل ذلك. ومعنى الزنى إلقاء نطفة العلم الباطن في نفس من لم يسبق معه عقد العهد: والصيام الإمساك عن كشف السر واتفقوا على أنه لا بد لكل عصر مع إمام معصوم قائم بالحق يرجع إليه في تأويل الظواهر مساو للنبي عليه السلام في العصمة. والكعبة هي النبي. والباب علي. والطوفان طوفان العلم أعرق به المتمسكون بالشبهة والسفينة الحرز الذي يحصن به من استجاب لدعوته ونار إبراهيم عبارة عن غضب نمرود لا عن نار حقيقة وذبح إسحاق معناه أخذ العهد عليه وعصى موسى حجته ويأجوج ومأجوج هم أهل الظاهر، وذكر غيره أنهم يقولون إن الله عز وجل لما أوجد الأرواح ظهر لهم فيما بينهم كهم فلم يشكوا أنه واحد منهم فعرفوه فأول من عرفه ، سلمان الفارسي والمقداد ، وأول المنكرين الذي يسمى إبليس وأبو ذر في خرافات ينبغي أن يصان الوقت العزيز عن التضييع بذكرها، ومثل هؤلاء لم يتمسكوا بشبهة فتكون معهم مناظرة وإنما اخترعوا بواقعاتهم ما أرادوا فإن اتفقت مناظرة لأحدهم فليقل له: أعرفتم هذه الأشياء التي تذكرونها عن ضرورة أو عن نظر أو عن نقل عن الإمام المعصوم فإن قلتم ضرورة فكيف خالفكم ذوو العقول السليمة، ولو ساغ لإنسان أن يهدي بدعوى الضرورة في كل ما يهواه جاز لخصمه دعوى الضرورة في نقض ما ادعاه، وإن قلتم بالنظر فالنظر عندكم باطل لأنه تصرف بالعقل وقضايا العقول عندكم لا يوثق بها، وإن قلتم عن إمام معصوم قلنا فما الذي دعاكم إلى قبول قوله بلا معجزة وترك قول عمر بن الخطاب محمد صلى الله عليه وسلم مع المعجزات ثم ما يؤمنكم أن يكون ما سمع من الإمام المعصوم له باطن غير ظاهر، ثم يقال لهم هذه البواطن والتأويلات يجب إخفاؤها أم إظهارها فإن قالوا يجب إظهارها قلنا فلما كتمها [ ص: 106 ] محمد صلى الله عليه وسلم. وإن قالوا يجب إخفاؤها قلنا ما وجب على الرسول إخفاؤه كيف حل لكم إفشاؤه. قال ابن عقيل: الباطنية والظاهرية فأما أهل البواطن فإنهم عطلوا ظواهر الشرع بما ادعوه من تفاسيرهم التي لا برهان لهم عليها حتى لم يبق في الشرع شيء إلا وقد وضعوا وراءه معنى حتى أسقطوا إيجاب الواجب والنهي عن المنهي. وأما هلك الإسلام بين طائفتين بين أهل الظاهر فإنهم أخذوا بكل ما ظهر مما لا بد من تأويله فحملوا الأسماء والصفات على ما عقلوه والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع.
قال المصنف: ولو لقيت مقدم هذه الطائفة المعروفة بالباطنية لم أكن سالكا معه طريق العلم. بل التوبيخ والازدراء على عقله وعقول أتباعه بأن أقول: إن للآمال طرقا تسلك ووجوها توصل ووضع الأمل في وجه اليأس حمق، ومعلوم أن هذه الملل التي قد طبقت الأرض أقر بها شريعة الإسلام التي تتظاهرون بها وتطمعون في إفسادها قد تمكنت تمكنا يكون الطمع في تمحيقها فضلا عن إزالتها حمقا فلها مجمع كل سنة بعرفة ومجمع كل أسبوع في الجوامع ومجمع كل يوم في المساجد فمتى تحدثكم نفوسكم بتكدير هذا البحر الزاخر وتمحيق هذا الأمر الظاهر في الآفاق يؤذن كل يوم على ما بين ألوف منابر بأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وغاية ما أنتم عليه حديث في خلوة أو متقدم في قلعة أن نبس بكلمة يرمي رأسه وقتل الكلاب فمتى يحدث العاقل منكم نفسه بظهور ما أنتم عليه على هذا الأمر الكلي الذي طبق البلاد، فما أعرف أحمق منكم إلى أن يجيء إلى باب المناظرة بالبراهين العقلية.