قال - رضي الله عنه - : ما رأيت أحدا من الشرق إلى الغرب ارتدى برداء الجود، واتزر بإزار ترك الأذى، إلا رأس أشكاله، وأضداده، وخضع له [ ص: 241 ] الخاص والعام، فمن أراد الرفعة العالية في العقبى، والمرتبة الجليلة في الدنيا، فليلزم الجود بما ملك، وترك الأذى إلى الخاص والعام، ومن أراد أن يهتك عرضه، ويثلم دينه، ويمله إخوانه، ويستثقله جيرانه، فليلزم البخل. أبو حاتم
ولقد أهل العقل في الجاهلية والإسلام إلى يومنا هذا، فمنه ما أنشدني ذم البخل محمد بن عبد الله البغدادي:
كأنما نقرت كفاه من حجر فليس بين يديه والندى عمل يرى التيمم في بحر وفي بلد
مخافة أن يرى في كفه بلل
وأنشدني أنشدني عمرو بن محمد، الغلابي، أنشدنا مهدي بن سابق:
لو أن دارك أنبتت لك واحتشت إبرا يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ليخيط قد قميصه لم تفعل
وأنشدني أحمد بن محمد بن أيوب:
وكفاك لم يخلقا للندى ولم يك بخلهما بدعه
فكف عن الخير مقبوضة كما حط من مائة سبعه
وأخرى ثلاثة آلافها وتسع مئيها لها شرعه
سمعت محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول: سمعت محمد بن صالح الوركاني يقول: قيل أي بيت قالته العرب أسخى؟ قال: الذي يقول: للنضر بن شميل:
فلو لم تكن في كفه غير روحه لجاد بها، فليتق الله سائله
قال: وأي بيت قالته العرب أبخل؟ فقال:
لو جعل الخردل في كفه ما سقطت من كفه خردلة
قال: وأي بيت قالته العرب أهجى؟ قال:
العجرفيون لا يوفون ما وعدوا والعجرفيات ينجزن المواعيدا
قال - رضي الله عنه - : الواجب على العاقل إذا لم يعرف بالسماحة أن لا يعرف بالبخل، كما لا يجب إذا لم يعرف بالشجاعة أن يعرف بالجبن، ولا إذا لم يعرف بالشهامة أن يعرف بالمهانة، ولا إذا لم يعرف بالأمانة أن يعرف بالخيانة؛ إذ البخل بئس الشعار في الدنيا والآخرة، وشر ما يدخر من الأعمال في العقبى. أبو حاتم