الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر ما أبيح من المزاح للمرء وما كره له منه

أنبأنا أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له خادم يقال له: أنجشة، وكان حسن الصوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة لا تكسر القوارير " قال قتادة: يعني ضعفة النساء.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح، وترك التعبس.

والمزاح على ضربين: فمزاح محمود، ومزاح مذموم.

فأما المزاح المحمود: فهو الذي لا يشوبه ما كره الله عز وجل، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم.

وأما المزاح المذموم: فالذي يثير العداوة، ويذهب البهاء، ويقطع الصداقة، ويجرئ الدنيء عليه، ويحقد الشريف به.

أخبرنا محمد بن المنذر ، حدثنا إبراهيم بن محمد الرقي ، حدثنا أبو موسى الأنصاري ، حدثنا بكر بن سليم قال: سمعت ربيعة يقول " إياكم والمزاح، فإنه يفسد المودة، ويغل الصدر ".

أنبأنا محمد بن سعيد القزاز ، حدثنا الفضيل بن الخضر التميمي ، حدثنا عبد الله بن خبيق قال: كان يقال " لا تمازح الشريف، فيحقد عليك، ولا تمازح الوضيع، فيجترئ عليك ".

أنشدني محمد بن عبد الله:

[ ص: 78 ]

أكرم جليسك، لا تمازح بالأذى إن المزاح ترى به الأضغان     كم من مزاح جذ حبل قرينه
فتجذمت من أجله الأقران



قال أبو حاتم رضي الله عنه: المزاح في غير طاعة الله مسلبة للبهاء مقطعة للصداقة، يورث الضغن، وينبت الغل.

وإنما سمي المزاح مزاحا لأنه زاح عن الحق، وكم من افتراق بين أخوين، وهجران بين متآلفين، كان أول ذلك المزاح.

أنبأنا محمد بن أحمد بن الحسين القرشي ، حدثنا الأسود بن عامر ، عن أبي إسرائيل عن الحكم قال: كان يقال " لا تمار صديقك ولا تمازحه، فإن مجاهدا كان له صديق، فمازحه، فأعرض كل واحد منهما عن صاحبه، فما زاده عن السلام حتى مات ".

قال أبو حاتم رضي الله عنه: وإن من المزاح ما يكون سببا لتهييج المراء، والواجب على العاقل اجتنابه، لأن المراء مذموم في الأحوال كلها، ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد رجلين في المراء: إما رجل هو أعلم منه، فكيف يجادل من هو دونه في العلم؟ أو يكون ذلك أعلم منه، فكيف يماري من هو أعلم منه؟.

ولقد سمعت حفص بن عمر البزار يقول: سمعت إسحاق بن الضيف يقول: سمعت جعفر بن عون يقول: سمعت مسعر بن كدام يقول لابنه كدام :


إني نخلتك يا كدام نصيحتي     فاسمع مقال أب عليك شفيق
[ ص: 79 ] أما المزاحة والمراء فدعهما     خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما     لمحاور جارا ولا لشفيق
والجهل يزري بالفتى في قومه     وعروقه في الناس أي عروق



قال أبو حاتم رضي الله عنه: المراء أخو الشنآن، كما أن المناقشة أخت العداوة، والمرء قليل نفعه كثير شره، ومنه يكون السباب، ومن السباب يكون القتال، ومن القتال يكون هراقة الدم وما مارى أحد أحدا إلا وقد غير المراء قلبيهما، وقد أحسن الذي يقول :


وإياك من حلو المزاح ومره     ومن أن يراك الناس فيه مماريا
وإن مراء المرء يخلق وجهه     وإن مزاح المرء يبدي التشانيا
دعاه مزاح أو مراء إلى التي     بها صار مقلي الإخاء وقاليا



أخبرني محمد بن المنذر حدثني كثير بن عبد الله التميمي حدثني إسماعيل بن محمد الطلحي ، حدثنا أبو الأخفش الكناني أنه قال لابن له :


أبني لا تك ما حييت مماريا     ودع السفاهة إنها لا تنفع
لا تحملن ضغينة لقرابة     إن الضغينة للقرابة تقطع
لا تحسبن الحلم منك مذلة     إن الحليم هو الأعز الأمنع



التالي السابق


الخدمات العلمية