قال - رضي الله عنه - : السبب المؤدي للعاقل إلى إنزاله الدنيا منزلتها ترك الركون إليها، مع تقديم ما قدر منها للعيش الدائم، والنعيم المقيم هو ترك طول الأمل، ومراقبة ورود الموت عليه في كل لحظة وطرفة؛ لأن طول الآمال قطعت أعناق الرجال، كالسراب أخلف من رجاه، وخاب من رآه. فالعاقل يلزم تركها، مع الاعتبار الدائم بمن مضى من الأمم السالفة، والقرون [ ص: 282 ] الماضية، كيف عفت آثارهم، واضمحلت أنباؤهم، فما بقي منهم إلا الذكر، ولا من ديارهم إلا الرسم، فسبحان من هو قادر على بعثهم وجمعهم للجزاء والعقاب. أبو حاتم
ولقد أنشدنا قال: أنشدنا عمرو بن محمد، الغلابي، قال: أنشدني مهدي بن سابق:
كنا على ظهرها، والعيش ذو مهل والدهر يجمعنا، والدار، والوطن ففرق الدهر ذو التصريف ألفتنا
فاليوم يجمعنا في بطنها الكفن كذلك الدهر لا يبقي على أحد
تأتي بأقداره الأيام والزمن
وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
حتى متى يبقى حليف الأسى مستشعرا للدهر أحزانا
فلا يرد الحزن شيئا ولا يعتب هذا الدهر إنسانا
قد يقبل الدهر بسرائه طورا، وقد يدبر أحيانا
فاصبر على ما جر من حادث ما زال غدارا، وخوانا
وأحسن الظن بمن لم يزل عليك مفضالا، ومنانا
وأنشدني قال: أنشدنا عمرو بن محمد، الغلابي ، لابن أبي عيينة المهلبي:
ما راح يوم على حي ولا ابتكرا إلا رأى عبرة فيها إن اعتبرا
ولا أتت ساعة في الدهر فانصرفت حتى توثر في قوم لها غيرا
إن الليالي والأيام أنفسها عن غيب أنفسها لم تكتب الخبرا