نزل الموت منزلا سلب القوم وارتحل
فقلت: ما هذا؟ فقالوا: مات أهل القصر كلهم، فأصبحوا وهذا الكتاب على الباب لا يدرى من كتبه، وأنشدني البسامي:
قد يصح المريض بعد إياس كان منه، ويهلك العواد
يصاد القطا فينجو سليما بعد هلك، ويهلك الصياد
قال - رضي الله عنه - : العاقل لا ينسى ذكر شيء هو مترقب له، ومنتظر وقوعه من قدم إلى قدم، ومن لحظة إلى شزرة، فكم من مكرم في أهله، معظم في قومه، مبجل في جيرته، لا يخاف الضيق في المعيشة، ولا الضنك في المصيبة، إذ ورد عليه مذلل الملوك، وقاهر الجبابرة، وقاصم الطغاة، فألقاه صريعا بين الأحبة وجيرانه، مفارقا لأهل بيته وإخوانه، لا يملكون له نفعا، ولا يستطيعون عنه دفعا، فكم من أمة قد أبادها الموت، وبلدة قد عطلها، وذات بعل قد أرملها، وذي أب أيتمه، وذي إخوة أفرده. أبو حاتم
فالعاقل لا يغتر بحالة نهايتها تؤدي إلى ما قلنا، ولا يركن إلى عيش مغبته ما ذكرنا، ولا ينسى حالة لا محالة هو مواقعها، وما لا شك يأتيه؛ إذ الموت طالب لا يعجزه المقيم، ولا ينفلت منه الهارب.
[ ص: 286 ]