طال ما ظمئت لأجلنا هواجرهم ، طال ما يبست بالصيام لنا حناجرهم ، طال ما غرقت بالدموع محاجرهم ، طال ما أزعجتهم مواعظهم وزواجرهم ، طال ما صدقت معاملتهم ومتاجرهم ، فغدا يطوف عليهم الولدان والحور العين بأكواب وأباريق وكأس من معين .
نظر إليهم مولاهم فارتضاهم ، وأنعم عليهم فاختارهم واصطفاهم وأعطاهم من فضله وإحسانه مناهم ، ومنحهم ما لا يحصى من الخير وحباهم ، فإذا قدموا عليه أطعمهم وسقاهم وأجلسهم على موائد الفوائد من زوائد التمكين بأكواب وأباريق وكأس من معين .
لقد لذ نعيمهم وطاب ، وصين حريمهم يوم الثواب ، ودام تكريمهم وزال العتاب ، وتوفر تعظيمهم بين الأحباب ، ونجا غريمهم من ورطات الحساب ، فأشرقت ديارهم وفتحت بالأبواب ، وطاف عليهم الولدان في المقام الأمين بأكواب وأباريق وكأس من معين .
لا يصدعون عنها أي لا يلحقهم الصداع الذي يلحق شاربي خمر الدنيا . وعنها : كناية عن الكأس المذكورة ، والمراد بها الخمر قوله تعالى : ولا ينزفون قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بفتح الزاي . وقرأ حمزة والكسائي بكسرها . قال فمن فتح فالمعنى : لا تذهب عقولهم بشربها : يقال للسكران نزيف ومنزوف . ومن كسر ففيه وجهان : أحدهما : لا ينفدون شرابهم أي هو دائم أبدا . والثاني : لا يسكرون . قال الشاعر : الفراء :
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
فإن قال قائل : المقصود من الخمر السكر . فالجواب : أن السكر إنما يراد ليزيل الهم ، وليس في الجنة هم ، فلا فائدة في إزالة العقل ، ألا ترى أن النوم لما أريد للراحة ولم يكن في الجنة تعب لم يكن نوم .[ ص: 205 ]