الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 79 ] 78 - حدثنا أبو هشام الرفاعي ، حدثنا المحاربي ، حدثنا يحيى بن عبيد الله ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : فاتني العشاء ذات ليلة فأتيت أهلي ، فقلت : هل عندكم عشاء ؟ قالوا : لا والله ما عندنا عشاء ، فاضطجعت على فراشي فلم يأتني النوم من الجوع ، فقلت : لو خرجت إلى المسجد فصليت وتعللت حتى أصبح ، فخرجت إلى المسجد فصليت ما شاء الله ، ثم تساندت إلى ناحية المسجد كذلك ، إذ طلع علي عمر بن الخطاب ، فقال : من هذا ؟ قلت : أبو بكر ، فقال : ما أخرجك هذه الساعة ؟ فقصصت عليه القصة ، فقال : والله ما أخرجني إلا الذي أخرجك ، فجلس إلى جنبي ، فبينما نحن كذلك ، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكرنا ، فقال : من هذا ؟ فبادرني عمر ، فقال : هذا أبو بكر ، وعمر ، فقال : ما أخرجكما هذه الساعة ؟ فقال عمر : خرجت فدخلت المسجد ، فرأيت سواد أبي بكر ، فقلت : من هذا ؟ فقال : أبو بكر ، فقلت : ما أخرجك هذه الساعة ؟ فذكر الذي كان ، فقلت : وأنا والله ما [ ص: 80 ] أخرجني إلا الذي أخرجك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا والله ما أخرجني إلا الذي أخرجكما ، فانطلقوا بنا إلى الواقفي أبي الهيثم بن التيهان ، فلعلنا نجد عنده شيئا يطعمنا .

فخرجنا نمشي فانتهينا إلى الحائط في القمر ، فقرعنا الباب ، فقالت المرأة : من هذا ؟ فقال عمر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وعمر ، ففتحت لنا ، فدخلنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين زوجك ؟ قالت : ذهب يستعذب لنا من الماء من حش بني حارثة ، الآن يأتيكم ، قال : فجاء يحمل قربة حتى أتى بها نخلة فعلقها على كرنافة من كرانيفها ، ثم أقبل علينا ، فقال : مرحبا وأهلا ، ما زار الناس أحد قط مثل من زارني ، ثم قطع لنا عذقا فأتانا به ، فجعلنا ننتقي منه في القمر فنأكل ، ثم أخذ الشفرة فجال في الغنم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والحلوب - أو : إياك وذوات الدر - فأخذ شاة فذبحها وسلخها ، وقال لامرأته فطبخت وخبزت ، وجعل يقطع في القدر من اللحم ، فأوقد تحتها حتى بلغ اللحم والخبز فثرد ، [ ص: 81 ] ثم غرف عليه من المرق واللحم ، ثم أتانا به فوضعه بين أيدينا ، فأكلنا حتى شبعنا ، ثم قام إلى القربة ، وقد سفعتها الريح فبرد ، فصب في الإناء ، ثم ناول رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب ، ثم ناول أبا بكر فشرب ، ثم ناول عمر فشرب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله خرجنا لم يخرجنا إلا الجوع ، ثم رجعنا وقد أصبنا هذا ، لتسألن عن هذا يوم القيامة ، هذا من النعيم ، ثم قال للواقفي : ما لك خادم يسقيك من الماء ؟ قال : لا يا رسول الله ، قال : إذا أتانا سبي فأتنا حتى نأمر لك بخادم ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه سبي ، فأتاه الواقفي ، فقال : ما جاء بك ؟ قال : يا رسول الله ، موعدك الذي وعدتني ، قال : هذا سبي ، فقم فاختر منهم ، قال : كن أنت الذي يختار لي ، قال : خذ هذا الغلام وأحسن إليه ، قال : فأخذه فانطلق به إلى امرأته ، فقالت : ما هذا ؟ فقص عليها القصة ، فقالت : فأي شيء قلت له ؟ قال : قلت له : كن أنت الذي يختار لي ، قالت : أحسنت ، قد قال لك : أحسن إليه ، فأحسن إليه ، قال : ما الإحسان إليه ؟ قالت : أن تعتقه ، قال : فهو حر لوجه الله
 
.

التالي السابق


الخدمات العلمية