( ( فصل ) )
( ( في الكلام على
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28647الإيمان واختلاف الناس فيه وتحقيق مذهب السلف في ذلك ) )
اعلم وفقك الله - تعالى - أن الناس اختلفوا في حقيقة الإيمان لغة واصطلاحا ، والمشهور أن الإيمان لغة التصديق ، واصطلاحا تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به عن ربه وهذا القدر متفق عليه ، ثم وقع الاختلاف هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة إبداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب ، إذ التصديق من أفعال القلوب - ، أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المأمورات وترك المحظورات ، وهذا هو الذي اشتهر من مذهب السلف ولذا قال :
( ( إيماننا قول وقصد وعمل تزيده التقوى وينقص بالزلل ) )
[ ص: 404 ] ( ( إيماننا ) ) معشر الأثرية من أهل السلف ما يأتي ذكره ، وهو فيما قيل مشتق من الأمن ، وفيه نظر ؛ لتباين مدلولي الأمن والتصديق ، إلا إن لوحظ معنى مجازي ، فيقال آمنه إذا صدقه ، أي آمنه التكذيب ، وفي الآية الكريمة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وما أنت بمؤمن لنا أي بمصدق لنا ، وقد اعترض على ذلك جماعة ، فقالوا : بل الإيمان في اللغة الإقرار ، وعند محققي السلف أن الإيمان ، وإن قلنا هو التصديق إلا أنه تصديق خاص مقيد بقيود اتصل اللفظ بها ، وهذا ليس نقلا للفظ عن أصل اللغة ، ولا تغييرا له فإن الله لم يأمرنا بإيمان مطلق ، بل بإيمان خاص وصفه وبينه ، وهو تصديق تام قائم بالقلب ، مستلزم لما وجب من الأعمال القلبية وأعمال الجوارح فإن هذه لوازم الإيمان التام ، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم ; ولهذا قال : ( ( قول ) ) باللسان فمن لم يقر ويصدق بلسانه مع القدرة فليس بمؤمن ، كما اتفق على ذلك سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان . ( ( وقصد ) ) أي عقد بالجنان ، فمن تكلم بكلمة التوحيد غير معتقد لها بقلبه فهو منافق ، وليس بمؤمن خلافا ، للكرامية الزاعمين بأن الإيمان هو القول الظاهر ، وإذا كان مصدقا بقلبه غير ناطق بلسانه مع القدرة فليس بمؤمن عند سلف الأمة ، خلافا
للجهمية ومن وافقهم من المتكلمة ، قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين فنفى الله الإيمان عن المنافقين ، وهذا يرد مذهب
الكرامية ، فإن المنافق ليس بمؤمن وقد ضل من سماه مؤمنا ، وكذلك من قام بقلبه علم وتصديق وهو يجحد الرسول وما جاء به ويعاديه
كاليهود وغيرهم ، ممن سماه الله كافرا ، ولم يسمهم مؤمنين قط ولا دخلوا في شيء من أحكام الإيمان ، فهم كفار خلافا
للجهمية في زعمهم أنهم إذا كان العلم في قلوبهم فهم مؤمنون كاملو الإيمان ، حتى قالوا : إن إيمانهم كإيمان النبيين ، والصديقين ، وفي الآيات القرآنية مما يرد هذا ما لا يحصى إلا بكلفة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ( ( وعمل ) ) بالأركان ، وهذا هو اللفظ الوارد عن السلف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه :
nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان قول وعمل .
قال
الحافظ ابن حجر في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وهو اللفظ الوارد عن السلف
[ ص: 405 ] الذين أطلقوا ذلك وقد روي مرفوعا بإسناد ضعيف ، قال : والمراد بالقول النطق بالشهادتين ، وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب ، والجوارح ; ليدخل الاعتقاد ، والعبادات ، مراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله ، فالسلف قالوا : هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان ، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله ، ومن هنا نشأ لهم القول بزيادة الإيمان ونقصه كما سيأتي ،
والمرجئة قالوا : هو اعتقاد ونطق فقط ،
والكرامية قالوا : هو نطق فقط ،
والمعتزلة قالوا : هو العمل ، والنطق ، والاعتقاد ، والفرق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا في صحته ، والسلف جعلوها شرطا في كماله ، وهذا بالنظر إلى ما عند الله - تعالى ، أما بالنظر إلى ما عندنا ، فالإيمان هو الإقرار فقط ، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ، ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن بإقراره فعل يدل على كفره ، كالسجود للصنم ، فإن كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق ، فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله ، ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فعل فعل الكافر ، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته ، وأثبتت
المعتزلة الواسطة كما مر فقالوا : الفاسق لا مؤمن ولا كافر . انتهى .
وقال
الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين وغيره : المشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ونية ، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - إجماع الصحابة ، والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم ذلك . قال
الحافظ ابن رجب : أنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكارا شديدا ، وممن أنكر ذلك على قائله وجعله قولا محدثا -
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني ،
والنخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=17298ويحيى بن أبي كثير ، وغيرهم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : هو رأي محدث أدركنا الناس على غيره . وقال الأوزاعي : كان من مضى من السلف لا يفرقون بين الإيمان ، والعمل فمن استكملها استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان . وذكره الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه . وقد دل على دخول الأعمال في الإيمان قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=3الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أولئك هم المؤمنون حقا [ ص: 406 ] وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026256أنه قال لوفد عبد القيس : " آمركم بأربع : الإيمان بالله وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا من المغانم الخمس " وفي الصحيحين أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024433الإيمان بضع وسبعون - ، أو بضع وستون - شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان " ولفظه
لمسلم ، وقال
شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في كتاب الإيمان والإسلام : قال
أبو القاسم الأنصاري شيخ الشهرستاني في شرح الإرشاد
لأبي المعالي ، بعد أن ذكر قول أصحابه
الأشاعرة من أنه مجرد التصديق : وذهب أهل الأثر إلى أن الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها ، وعبروا عنه بأنه إتيان ما أمر الله فرضا ونفلا ، والانتهاء عما نهى عنه تحريما وأدبا .
قال : وبهذا كان يقول
nindex.php?page=showalam&ids=12089أبو علي الثقفي من متقدمي أصحابنا
وأبو العباس القلانسي ، وقد مال إلى هذا المذهب
أبو عبد الله بن مجاهد ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس إمام دار الهجرة ، ومعظم أئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين ، فكانوا يقولون الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان . وبعض السلف من أهل السنة زاد : وإتباع السنة ; لأن ذلك لا يكون محبوبا لله - تعالى - إلا باتباع السنة .
ومنهم من اقتصر على أنه قول وعمل ، وأراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح ، ومن زاد الاعتقاد أي المعرفة والتصديق رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر ، أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب ، ومن قال منهم : إنه قول وعمل ونية ، قال : القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان ، وأما العمل فقد لا تفهم منه النية فزاد ذلك ، ومن قال منهم : إنه قول وعمل لم يرد كل قول وعمل ، وإنما أراد ما كان مشروعا من الأقوال ، والأعمال .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية : كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط ، فقالوا : بل هو قول وعمل ، والذين جعلوه أربعة فسروا مرادهم ، كما سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو ؟ فقال : قول وعمل ونية وسنة
[ ص: 407 ] لأن الإيمان إن كان قولا بلا عمل فهو كفر ، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق ، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة . ثم قال
شيخ الإسلام ابن تيمية - روح الله روحه - :
nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان الذي أصله في القلب لا بد فيه من شيئين : تصديق القلب ، وإقراره ومعرفته ، ويقال لهذا قول القلب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد بن محمد - رحمه الله تعالى - : التوحيد قول القلب ، والتوكل عمل القلب . فلا بد فيه من عمل القلب ، وقوله : ثم قول البدن وعمله لا بد فيه من عمل القلب ، مثل حب الله ورسوله وخشية الله ، ويحب ما يحبه الله ورسوله ، وإخلاص العمل لله وحده ، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها من الإيمان .
ثم القلب هو الأصل ، فإذا كان فيه معرفة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة ، لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب ; ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026257ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - رضي الله عنه - : القلب ملك ، والأعضاء جنوده ، فإذا طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملك خبثت جنوده - قال
شيخ الإسلام - قدس الله روحه - : قول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة تقريب ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن بيانا ، فإن الملك وإن كان صالحا فإن الجند لهم اختيار قد يعصون به ملكهم ، وبالعكس فقد يكون فيهم صلاح مع فساده ، أو فساد مع صلاحه بخلاف القلب ، فإن الجسد تابع له لا يخرج عن إرادته قط ، قال : فلا بد في إيمان القلب من حب الله ورسوله ، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله أي من المشركين وفي الآية قولان قيل يحبونهم كحب المؤمنين لله ، والذين آمنوا أشد حبا منهم لأوثانهم ، وقيل يحبونهم كما يحبون الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله منهم وهذا هو الصواب فإن المشركين لا يحبون الأنداد مثل محبة المؤمنين لله ، والمحبة تستلزم إرادة ، والإرادة التامة مع القدرة تستلزم الفعل ، فيمتنع أن يكون الإنسان محبا لله ورسوله مريدا لما يحبه الله ورسوله إرادة جازمة مع قدرته على ذلك وهو
[ ص: 408 ] لا يفعله ،
nindex.php?page=treesubj&link=28647فإذا لم يتكلم بالإيمان مع قدرته دل على أنه ليس في قلبه الإيمان الواجب الذي فرضه الله عليه ، ومن هنا يظهر خطأ قول جهم بن صفوان ومن اتبعه حيث ظنوا أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعمله ، ثم جعلوا إيمان القلب من الإيمان وظنوا أنه قد يكون الإنسان مؤمنا كامل الإيمان بقلبه ، وهو مع هذا يسب الله ورسوله ويعادي أولياء الله ويوالي أعداء الله ، ويقتل الأنبياء ويهدم المساجد ، ويهين المصاحف يكرم الكفار ويهين المؤمنين ، قالوا : وهذه كلها معاصي لا تنافي الإيمان الذي في قلبه ، بل يفعل هذا وهو في الباطن عند الله مؤمن ، قالوا : وإنما ثبت له في الدنيا أحكام الكافر ; لأن هذه الأقوال والأفعال أمارة على الكفر فيحكم بالظاهر كما يحكم بالإقرار والشهود ، وإن كان الباطن قد يكون بخلاف ما أقر به وبخلاف ما شهد به ، فإذا أورد عليهم الكتاب والسنة والإجماع على أن الواحد من هؤلاء كافر في نفس الأمر معذب في الآخرة ، قالوا : فهذا دليل على انتفاء التصديق ، والعلم من قلبه .
والكفر عندهم شيء واحد وهو الجهل والإيمان شيء واحد وهو العلم أو تكذيب القلب وتصديقه فإنهم متنازعون ، هل تصديق القلب شيء غير العلم ، أو هو هو . قال
شيخ الإسلام : وهذا القول مع أنه أفسد قول قيل في الإيمان فقد ذهب إليه الكثير من أهل الكلام ، وقد كفر السلف
nindex.php?page=showalam&ids=17277كوكيع بن الجراح ، والإمام
أحمد وأبي عبيدة وغيرهم - من يقول بهذا القول ، وقالوا : فإبليس كافر بنص القرآن ، وإنما كفره باستكباره وامتناعه من السجود لآدم لا لكونه كذب خبرا ، وكذلك
فرعون وقومه قال الله - تعالى - فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وقال
موسى - عليه السلام -
لفرعون :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يافرعون مثبورا فموسى هو الصادق المصدوق يقول " لقد علمت ما أنزل هؤلاء " يعني الآيات البينات " إلا رب السماوات والأرض بصائر " فدل على أن
فرعون كان عالما بأن الله - تعالى - أنزل هذه الآيات ، وهو من أكثر خلق الله عنادا وبغيا لفساد إرادته وقصده لا لعدم علمه ، وقال - تعالى - في أهل الكتاب :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وكذلك كثير من المشركين الذين قال الله - تعالى - فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .
[ ص: 409 ] قال
شيخ الإسلام : فهؤلاء غلطوا في أصلين : أحدهما : أنهم ظنوا أن الإيمان مجرد تصديق وعلم فقط ، ليس مع عمل وحال وحركة وإرادة ومحبة وخشية في القلب ، وهذا من أعظم غلط المرجئة مطلقا فإن أعمال القلوب التي يسميها بعض الصوفية أحوالا ومقامات ومنازل السائرين إلى الله ، أو مقامات العارفين ، أو غير ذلك ، كل ما فيها مما فرضه الله ورسوله فهو من الإيمان الواجب ، وكل ما فيها من الإيمان مما أحبه الله ولم يفرضه فهو من الإيمان المستحب ، فالأول لا بد لكل مؤمن منه ، ومن اقتصر عليه فهو من الأبرار أصحاب اليمين ، والثاني للمقربين السابقين ، والأصل الثاني الذي غلطوا فيه ظنهم أن كل من حكم الشارع بأنه كافر مخلد في النار ، فإنما ذاك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم ، والتصديق ، وهذا أمر خالفوا فيه الحس ، والعقل ، والشرع ، وما أجمع عليه طوائف بني آدم السليمي الفطرة وجماهير النظار ، فإن الإنسان قد يعرف الحق مع غيره ، ومع هذا يجحد ذلك لحسده إياه ، أو لطلب علوه عليه ، أو لهوى النفس ويحمله ذلك الهوى على أن يعتدي عليه ويرد ما يقول بكل طريق ، وهو في قلبه يعلم أن الحق معه . وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم ، وأنهم صادقون ، لكن الحسد وإرادة العلو والرياسة وحبهم لما هم عليه ، وإلفهم لما ارتكبوه أوجب له التكذيب والمعاداة لهم ، وجميع من كذب الرسل لم يأت بحجة صحيحة تقدح في صدقهم ، وإنما يعتمدون على مخالفة أهوائهم كقولهم
لنوح - عليه السلام - :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=111أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وقول
فرعون :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=47أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون وقوله
لموسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18ألم نربك فينا وليدا الآيتين وقول مشركي العرب لنبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا قال الله - تعالى - ردا عليهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء بل
أبو طالب وغيره كانوا مع محبتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومحبتهم لعلو كلمته من عدم حسدهم له وعلمهم بصدقه ، وحملهم الفهم لدين قومهم وكراهتهم لفراقه وذم
قريش لهم على عدم اتباعه على دينه القويم وهديه المستقيم ، فلم يتركوا الإيمان لعدم العلم بل لهوى الأنفس ، فكيف يقال مع هذا أن كل كافر إنما كفر لعدم علمه بالله ؟
[ ص: 410 ] فإن قيل إذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله ، فمتى ذهب بعض ذلك بطل الإيمان فيلزم تكفير أهل الذنوب كما تقوله
الخوارج ، أو تخليدهم في النار وسلبهم اسم الإيمان بالكلية كما تقوله
المعتزلة ، وكل هذين القولين شر من قول
المرجئة ، فإن من
المرجئة جماعة من العباد والعلماء المذكورين عند الأمة بخير ، وأما
الخوارج والمعتزلة فأهل السنة والجماعة من جميع الطوائف مطبقون على ذمهم ، فالجواب أولا ما ينبغي أن يعرف أن القول الذي لم يوافق
الخوارج والمعتزلة عليه أحد من أهل السنة هو القول بتخليد أهل الكبائر في النار ، فإن هذا القول من البدع المشهورة ، وقد اتفق الصحابة ، والتابعون لهم بإحسان ، وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان . واتفقوا أيضا على أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - يشفع في من يأذن الله له بالشفاعة فيه من أهل الكبائر من أمته ، كما سيأتي في ذكر الشفاعة إن شاء الله - تعالى - .
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28834_28648ومن بدع الخوارج الخارجة تكفيرهم للمسلم بالذنب ، وسلب المعتزلة له اسم الإيمان ، فهو عندهم ليس بمؤمن ولا كافر كما تقدم ، وكل هذه بدع قبيحة مخالفة للصحابة والتابعين ، ولأئمة السلف من أهل السنة ، والجماعة ، والحق ما عند أهل الحق أنه مؤمن ناقص الإيمان فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، فلا يعطى الاسم المطلق من الإيمان ، ولا يسلب مطلق الاسم ، وما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - أن القاتل لا توبة له ، وأنه يخلد في النار ، فغلط فإنه لم يقل أحد من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشفع لأهل الكبائر ، ولا قال : إنهم يخلدون في النار ، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في إحدى الروايتين عنه قال : إن القاتل لا توبة له ، والنزاع في التوبة غير النزاع في التخليد لما يتعلق بالقتل من حق الآدمي ، وتقدم الجواب عنه في الفصل الذي قبل هذا .
وأما قول القائل أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله ، فممنوع وهذا هو الأصل الذي تفرعت منه البدع في الإيمان فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله ، ثم قالت
الخوارج والمعتزلة : الإيمان هو مجموع ما أمر الله به ورسوله ، وهو الإيمان المطلق كما قاله أهل الحديث ، قالوا : فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء فيخلد في النار ، وقالت
المرجئة على اختلاف فرقهم
[ ص: 411 ] كما يأتي : لا يذهب من الإيمان بالكبائر وبترك الواجبات الظاهرة شيء منه ، إذ لو ذهب منه شيء لم يبق منه شيء ، فيكون شيئا واحدا يستوي فيه البر ، والفاجر .
( ( فَصْلٌ ) )
( ( فِي الْكَلَامِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28647الْإِيمَانِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ وَتَحْقِيقِ مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ ) )
اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِيمَانَ لُغَةً التَّصْدِيقُ ، وَاصْطِلَاحًا تَصْدِيقُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ مَزِيدُ أَمْرٍ مِنْ جِهَةِ إِبْدَاءِ هَذَا التَّصْدِيقِ بِاللِّسَانِ الْمُعَبَّرِ عَمَّا فِي الْقَلْبِ ، إِذِ التَّصْدِيقُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ - ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اشْتُهِرَ مِنْ مَذْهَبِ السَّلَفِ وَلِذَا قَالَ :
( ( إِيمَانُنَا قَوْلٌ وَقَصْدٌ وَعَمَلْ تَزِيدُهُ التَّقْوَى وَيَنْقُصُ بِالزَّلَلْ ) )
[ ص: 404 ] ( ( إِيمَانُنَا ) ) مَعْشَرَ الْأَثَرِيَّةِ مِنْ أَهْلِ السَّلَفِ مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ ، وَهُوَ فِيمَا قِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِتَبَايُنِ مَدْلُولَيِ الْأَمْنِ وَالتَّصْدِيقِ ، إِلَّا إِنْ لُوحِظَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ ، فَيُقَالُ آمَنَهُ إِذَا صَدَّقَهُ ، أَيْ آمَنَهُ التَّكْذِيبُ ، وَفِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا أَيْ بِمُصَدِّقٍ لَنَا ، وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ ، فَقَالُوا : بَلِ الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ الْإِقْرَارُ ، وَعِنْدَ مُحَقِّقِي السَّلَفِ أَنَّ الْإِيمَانَ ، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ التَّصْدِيقُ إِلَّا أَنَّهُ تَصْدِيقٌ خَاصٌّ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ اتَّصَلَ اللَّفْظُ بِهَا ، وَهَذَا لَيْسَ نَقْلًا لِلَّفْظِ عَنْ أَصْلِ اللُّغَةِ ، وَلَا تَغْيِيرًا لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا بِإِيمَانٍ مُطْلَقٍ ، بَلْ بِإِيمَانٍ خَاصٍّ وَصَفَهُ وَبَيَّنَهُ ، وَهُوَ تَصْدِيقٌ تَامٌّ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ ، مُسْتَلْزِمٌ لِمَا وَجَبَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَإِنَّ هَذِهِ لَوَازِمُ الْإِيمَانِ التَّامِّ ، وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( ( قَوْلٌ ) ) بِاللِّسَانِ فَمَنْ لَمْ يُقِرَّ وَيُصَدِّقْ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ سَلَفُ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ . ( ( وَقَصْدٌ ) ) أَيْ عَقْدٌ بِالْجَنَانِ ، فَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لَهَا بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ خِلَافًا ، لِلْكَرَّامِيَّةِ الزَّاعِمِينَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ ، وَإِذَا كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ غَيْرَ نَاطِقٍ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، خِلَافًا
لِلْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمَةِ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فَنَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ ، وَهَذَا يَرُدُّ مَذْهَبَ
الْكَرَّامِيَّةِ ، فَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَقَدْ ضَلَّ مَنْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ بِقَلْبِهِ عِلْمٌ وَتَصْدِيقٌ وَهُوَ يَجْحَدُ الرَّسُولَ وَمَا جَاءَ بِهِ وَيُعَادِيهِ
كَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ ، مِمَّنْ سَمَّاهُ اللَّهُ كَافِرًا ، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ مُؤْمِنِينَ قَطُّ وَلَا دَخَلُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ ، فَهُمْ كُفَّارٌ خِلَافًا
لِلْجَهْمِيَّةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا كَانَ الْعِلْمُ فِي قُلُوبِهِمْ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ كَامِلُو الْإِيمَانِ ، حَتَّى قَالُوا : إِنَّ إِيمَانَهُمْ كَإِيمَانِ النَّبِيِّينَ ، وَالصِّدِّيقِينَ ، وَفِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ مِمَّا يَرُدُّ هَذَا مَا لَا يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا الْآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ( ( وَعَمَلٌ ) ) بِالْأَرْكَانِ ، وَهَذَا هُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ .
قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ : وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ
[ ص: 405 ] الَّذِينَ أَطْلَقُوا ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ، قَالَ : وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ ، وَالْجَوَارِحِ ; لِيَدْخُلَ الِاعْتِقَادُ ، وَالْعِبَادَاتُ ، مُرَادُ مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَالسَّلَفُ قَالُوا : هُوَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ ، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ فِي كَمَالِهِ ، وَمِنْ هُنَا نَشَأَ لَهُمُ الْقَوْلُ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ كَمَا سَيَأْتِي ،
وَالْمُرْجِئَةُ قَالُوا : هُوَ اعْتِقَادٌ وَنُطْقٌ فَقَطْ ،
وَالْكَرَّامِيَّةُ قَالُوا : هُوَ نُطْقٌ فَقَطْ ،
وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا : هُوَ الْعَمَلُ ، وَالنُّطْقُ ، وَالِاعْتِقَادُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَالَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ ، وَالسَّلَفُ جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى ، أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَنَا ، فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ ، فَمَنْ أَقَرَّ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا ، وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلَّا إِنِ اقْتَرَنَ بِإِقْرَارِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ ، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ كَالْفِسْقِ ، فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى إِقْرَارِهِ وَمَنْ نَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى كَمَالِهِ ، وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَ الْكَافِرِ ، وَمَنْ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى حَقِيقَتِهِ ، وَأَثْبَتَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ الْوَاسِطَةَ كَمَا مَرَّ فَقَالُوا : الْفَاسِقُ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ . انْتَهَى .
وَقَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهِ : الْمَشْهُورُ عَنِ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ ، وَأَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ أَدْرَكَهُمْ ذَلِكَ . قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : أَنْكَرَ السَّلَفُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ الْأَعْمَالَ عَنِ الْإِيمَانِ إِنْكَارًا شَدِيدًا ، وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى قَائِلِهِ وَجَعَلَهُ قَوْلًا مُحْدَثًا -
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=17188وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَقَتَادَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ،
وَالنَّخَعِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17298وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ : هُوَ رَأْيٌ مُحْدَثٌ أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى غَيْرِهِ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : كَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِيمَانِ ، وَالْعَمَلِ فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ . وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ . وَقَدْ دَلَّ عَلَى دُخُولِ الْأَعْمَالِ فِي الْإِيمَانِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=3الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [ ص: 406 ] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026256أَنَّهُ قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ : " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ : الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمْسَ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024433الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ " وَلَفْظُهُ
لِمُسْلِمٍ ، وَقَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ : قَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ شَيْخُ الشَّهْرِسْتَانِيِّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ
لِأَبِي الْمَعَالِي ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ
الْأَشَاعِرَةِ مِنْ أَنَّهُ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ : وَذَهَبَ أَهْلُ الْأَثَرِ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا ، وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ إِتْيَانُ مَا أَمَرَ اللَّهُ فَرْضًا وَنَفْلًا ، وَالِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى عَنْهُ تَحْرِيمًا وَأَدَبًا .
قَالَ : وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=12089أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا
وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ ، وَقَدْ مَالَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُجَاهِدٍ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ ، وَمُعْظَمِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، فَكَانُوا يَقُولُونَ الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ . وَبَعْضُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ زَادَ : وَإِتْبَاعُ السُّنَّةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مَحْبُوبًا لِلَّهِ - تَعَالَى - إِلَّا بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ .
وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَأَرَادَ قَوْلَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَعَمَلَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ ، وَمَنْ زَادَ الِاعْتِقَادَ أَيِ الْمَعْرِفَةَ وَالتَّصْدِيقَ رَأَى أَنَّ لَفْظَ الْقَوْلِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا الْقَوْلُ الظَّاهِرُ ، أَوْ خَافَ ذَلِكَ فَزَادَ الِاعْتِقَادَ بِالْقَلْبِ ، وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ : إِنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ ، قَالَ : الْقَوْلُ يَتَنَاوَلُ الِاعْتِقَادَ وَقَوْلَ اللِّسَانِ ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَقَدْ لَا تُفْهَمُ مِنْهُ النِّيَّةُ فَزَادَ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ : إِنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ لَمْ يُرِدْ كُلَّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا مِنَ الْأَقْوَالِ ، وَالْأَعْمَالِ .
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : كَانَ مَقْصُودُهُمُ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ جَعَلُوهُ قَوْلًا فَقَطْ ، فَقَالُوا : بَلْ هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَالَّذِينَ جَعَلُوهُ أَرْبَعَةً فَسَّرُوا مُرَادَهُمْ ، كَمَا سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16065سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ عَنِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ وَسُنَّةٌ
[ ص: 407 ] لِأَنَّ الْإِيمَانَ إِنْ كَانَ قَوْلًا بِلَا عَمَلٍ فَهُوَ كُفْرٌ ، وَإِذَا كَانَ قَوْلًا وَعَمَلًا بِلَا نِيَّةٍ فَهُوَ نِفَاقٌ ، وَإِذَا كَانَ قَوْلًا وَعَمَلًا وَنِيَّةً بِلَا سُنَّةٍ فَهُوَ بِدْعَةٌ . ثُمَّ قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - :
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْإِيمَانُ الَّذِي أَصْلُهُ فِي الْقَلْبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَيْئَيْنِ : تَصْدِيقُ الْقَلْبِ ، وَإِقْرَارُهُ وَمَعْرِفَتُهُ ، وَيُقَالُ لِهَذَا قَوْلُ الْقَلْبِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : التَّوْحِيدُ قَوْلُ الْقَلْبِ ، وَالتَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ . فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ ، وَقَوْلُهُ : ثُمَّ قَوْلُ الْبَدَنِ وَعَمَلُهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ ، مِثْلَ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ ، وَيُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَإِخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَجَعَلَهَا مِنَ الْإِيمَانِ .
ثُمَّ الْقَلْبُ هُوَ الْأَصْلُ ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ مَعْرِفَةٌ سَرَى ذَلِكَ إِلَى الْبَدَنِ بِالضَّرُورَةِ ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْبَدَنُ عَمَّا يُرِيدُهُ الْقَلْبُ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026257أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : الْقَلْبُ مَلِكٌ ، وَالْأَعْضَاءُ جُنُودُهُ ، فَإِذَا طَابَ الْمَلِكُ طَابَتْ جُنُودُهُ ، وَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ - قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - : قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ تَقْرِيبٌ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنُ بَيَانًا ، فَإِنَّ الْمَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا فَإِنَّ الْجُنْدَ لَهُمُ اخْتِيَارٌ قَدْ يَعْصُونَ بِهِ مَلِكَهُمْ ، وَبِالْعَكْسِ فَقَدْ يَكُونُ فِيهِمْ صَلَاحٌ مَعَ فَسَادِهِ ، أَوْ فَسَادٌ مَعَ صَلَاحِهِ بِخِلَافِ الْقَلْبِ ، فَإِنَّ الْجَسَدَ تَابِعٌ لَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ إِرَادَتِهِ قَطُّ ، قَالَ : فَلَا بُدَّ فِي إِيمَانِ الْقَلْبِ مِنْ حَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ أَيْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ قِيلَ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا مِنْهُمْ لِأَوْثَانِهِمْ ، وَقِيلَ يُحِبُّونَهُمْ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْهُمْ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُحِبُّونَ الْأَنْدَادَ مِثْلَ مَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ ، وَالْمُحِبَّةُ تَسْتَلْزِمُ إِرَادَةً ، وَالْإِرَادَةُ التَّامَّةُ مَعَ الْقُدْرَةِ تَسْتَلْزِمُ الْفِعْلَ ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُحِبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُرِيدًا لِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِرَادَةً جَازِمَةً مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ
[ ص: 408 ] لَا يَفْعَلُهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28647فَإِذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ قُدْرَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ خَطَأُ قَوْلِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَعَمَلِهِ ، ثُمَّ جَعَلُوا إِيمَانَ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُؤْمِنًا كَامِلَ الْإِيمَانِ بِقَلْبِهِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَسُبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُعَادِي أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيُوَالِي أَعْدَاءَ اللَّهِ ، وَيَقْتُلُ الْأَنْبِيَاءَ وَيَهْدِمُ الْمَسَاجِدَ ، وَيُهِينُ الْمَصَاحِفَ يُكْرِمُ الْكُفَّارَ وَيُهِينُ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالُوا : وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعَاصِي لَا تُنَافِي الْإِيمَانَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ ، بَلْ يَفْعَلُ هَذَا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ ، قَالُوا : وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامُ الْكَافِرِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ أَمَارَةٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ كَمَا يُحْكَمُ بِالْإِقْرَارِ وَالشُّهُودِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَاطِنُ قَدْ يَكُونُ بِخِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَبِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ ، فَإِذَا أَوْرَدَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَافِرٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُعَذَّبٌ فِي الْآخِرَةِ ، قَالُوا : فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ التَّصْدِيقِ ، وَالْعِلْمِ مِنْ قَلْبِهِ .
وَالْكُفْرُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْجَهْلُ وَالْإِيمَانُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ تَكْذِيبُ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقُهُ فَإِنَّهُمْ مُتَنَازِعُونَ ، هَلْ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ شَيْءٌ غَيْرُ الْعِلْمِ ، أَوْ هُوَ هُوَ . قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ : وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ أَنَّهُ أَفْسَدُ قَوْلٍ قِيلَ فِي الْإِيمَانِ فَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَثِيرُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ ، وَقَدْ كَفَّرَ السَّلَفُ
nindex.php?page=showalam&ids=17277كَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَالْإِمَامِ
أَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِمْ - مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ ، وَقَالُوا : فَإِبْلِيسُ كَافِرٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا كُفْرُهُ بِاسْتِكْبَارِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ لَا لِكَوْنِهِ كَذَّبَ خَبَرًا ، وَكَذَلِكَ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا وَقَالَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
لِفِرْعَوْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا فَمُوسَى هُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ يَقُولُ " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ " يَعْنِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ " إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
فِرْعَوْنَ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَاتِ ، وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ خَلْقِ اللَّهِ عِنَادًا وَبَغْيًا لِفَسَادِ إِرَادَتِهِ وَقَصْدِهِ لَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ ، وَقَالَ - تَعَالَى - فِي أَهْلِ الْكِتَابِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ .
[ ص: 409 ] قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ : فَهَؤُلَاءِ غَلِطُوا فِي أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقٍ وَعِلْمٍ فَقَطْ ، لَيْسَ مَعَ عَمَلٍ وَحَالٍ وَحَرَكَةٍ وَإِرَادَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَخَشْيَةٍ فِي الْقَلْبِ ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ غَلَطِ الْمُرْجِئَةِ مُطْلَقًا فَإِنَّ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ الَّتِي يُسَمِّيهَا بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَحْوَالًا وَمَقَامَاتٍ وَمَنَازِلَ السَّائِرِينَ إِلَى اللَّهِ ، أَوْ مَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، كُلُّ مَا فِيهَا مِمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ ، وَكُلُّ مَا فِيهَا مِنَ الْإِيمَانِ مِمَّا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَلَمْ يَفْرِضْهُ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُسْتَحَبِّ ، فَالْأَوَّلُ لَا بُدَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْهُ ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ، وَالثَّانِي لِلْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ ، وَالْأَصْلُ الثَّانِي الَّذِي غَلِطُوا فِيهِ ظَنُّهُمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَكَمَ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ كَافِرٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ ، فَإِنَّمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ ، وَالتَّصْدِيقِ ، وَهَذَا أَمْرٌ خَالَفُوا فِيهِ الْحِسَّ ، وَالْعَقْلَ ، وَالشَّرْعَ ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ طَوَائِفُ بَنِي آدَمَ السَّلِيمِي الْفِطْرَةِ وَجَمَاهِيرُ النُّظَّارِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْرِفُ الْحَقَّ مَعَ غَيْرِهِ ، وَمَعَ هَذَا يَجْحَدُ ذَلِكَ لِحَسَدِهِ إِيَّاهُ ، أَوْ لِطَلَبِ عُلُوِّهِ عَلَيْهِ ، أَوْ لِهَوَى النَّفْسِ وَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْهَوَى عَلَى أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ وَيَرُدَّ مَا يَقُولُ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، وَهُوَ فِي قَلْبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ . وَعَامَّةُ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ عَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ صَادِقُونَ ، لَكِنَّ الْحَسَدَ وَإِرَادَةَ الْعُلُوِّ وَالرِّيَاسَةِ وَحُبَّهمْ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ ، وَإِلْفَهُمْ لِمَا ارْتَكَبُوهُ أَوْجَبَ لَهُ التَّكْذِيبَ وَالْمُعَادَاةَ لَهُمْ ، وَجَمِيعُ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ تَقْدَحُ فِي صِدْقِهِمْ ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَهْوَائِهِمْ كَقَوْلِهِمْ
لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=111أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وَقَوْلِ
فِرْعَوْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=47أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ وَقَوْلِه
لِمُوسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا الْآيَتَيْنِ وَقَوْلِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِنَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - رَدًّا عَلَيْهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ بَلْ
أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ كَانُوا مَعَ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحَبَّتِهِمْ لِعُلُوِّ كَلِمَتِهِ مِنْ عَدَمِ حَسَدِهِمْ لَهُ وَعِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ ، وَحَمْلِهِمُ الْفَهْمَ لِدِينِ قَوْمِهِمْ وَكَرَاهَتِهِمْ لِفِرَاقِهِ وَذَمِّ
قُرَيْشٍ لَهُمْ عَلَى عَدَمِ اتِّبَاعِه عَلَى دِينِهِ الْقَوِيمِ وَهَدْيِهِ الْمُسْتَقِيمِ ، فَلَمْ يَتْرُكُوا الْإِيمَانَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بَلْ لِهَوَى الْأَنْفُسِ ، فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ هَذَا أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ إِنَّمَا كَفَرَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِاللَّهِ ؟
[ ص: 410 ] فَإِنْ قِيلَ إِذَا كَانَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ، فَمَتَى ذَهَبَ بَعْضُ ذَلِكَ بَطَلَ الْإِيمَانُ فَيَلْزَمُ تَكْفِيرُ أَهْلِ الذُّنُوبِ كَمَا تَقُولُهُ
الْخَوَارِجُ ، أَوْ تَخْلِيدُهُمْ فِي النَّارِ وَسَلْبُهُمُ اسْمَ الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا تَقُولُهُ
الْمُعْتَزِلَةُ ، وَكُلُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ
الْمُرْجِئَةِ ، فَإِنَّ مِنَ
الْمُرْجِئَةِ جَمَاعَةً مِنَ الْعُبَّادِ وَالْعُلَمَاءِ الْمَذْكُورِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ بِخَيْرٍ ، وَأَمَّا
الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مُطْبِقُونَ عَلَى ذَمِّهِمْ ، فَالْجَوَابُ أَوَّلًا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لَمْ يُوَافِقِ
الْخَوَارِجَ وَالْمُعْتَزِلَةَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ الْقَوْلُ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَشْهُورَةِ ، وَقَدِ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ ، وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ . وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْفَعُ فِي مَنْ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ بِالشَّفَاعَةِ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - .
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28834_28648وَمِنْ بِدَعِ الْخَوَارِجِ الْخَارِجَةِ تَكْفِيرُهُمْ لِلْمُسْلِمِ بِالذَّنْبِ ، وَسَلْبُ الْمُعْتَزِلَةِ لَهُ اسْمَ الْإِيمَانِ ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكُلُّ هَذِهِ بِدَعٌ قَبِيحَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَلِأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْجَمَاعَةِ ، وَالْحَقُّ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ ، فَلَا يُعْطَى الِاسْمَ الْمُطْلَقَ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَلَا يُسْلَبُ مُطْلَقَ الِاسْمِ ، وَمَا نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْقَاتِلَ لَا تَوْبَةَ لَهُ ، وَأَنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ ، فَغَلَطٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشْفَعُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ ، وَلَا قَالَ : إِنَّهُمْ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ قَالَ : إِنَّ الْقَاتِلَ لَا تَوْبَةَ لَهُ ، وَالنِّزَاعُ فِي التَّوْبَةِ غَيْرُ النِّزَاعِ فِي التَّخْلِيدِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا .
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنَّ الْإِيمَانَ إِذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ ، فَمَمْنُوعٌ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَفَرَّعَتْ مِنْهُ الْبِدَعُ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ مَتَى ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ ، ثُمَّ قَالَتِ
الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ : الْإِيمَانُ هُوَ مَجْمُوعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ، وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ ، قَالُوا : فَإِذَا ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ صَاحِبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ فَيَخْلُدُ فِي النَّارِ ، وَقَالَتِ
الْمُرْجِئَةُ عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ
[ ص: 411 ] كَمَا يَأْتِي : لَا يَذْهَبُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْكَبَائِرِ وَبِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ شَيْءٌ مِنْهُ ، إِذْ لَوْ ذَهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَيَكُونُ شَيْئًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْبَرُّ ، وَالْفَاجِرُ .