الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

أخبرنا المطهر بن محمد البيع ، في كتابه، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا إسماعيل بن سالم ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رجلا وقع في أب له في الجاهلية فلطمه العباس ، فجاء قومه فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمك، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم على الله؟" ، قالوا: أنت، قال: "فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا" ، قال: فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك فاستغفر لنا   [ ص: 584 ] قال: وحدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا أخبرنا معمر ، قال: سمعت ثابتا يحدث، عن أنس رضي الله عنه، قال: " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال حجاج بن علاط: يا رسول الله، إن لي بمكة مالا، ولي بها أهل، وإني أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء، قال: فأتى امرأته حين قدم، فقال: اجمعي لي ما كان عندك، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استبيحوا وأوصيت أموالهم، ففشا ذلك بمكة فانقمع المسلمون، وأظهر المشركون فرحا وسرورا، فبلغ الخبر عباسا رضي الله عنه، فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم "، قال معمر: فأخبرني عثمان الجزري ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: فأخذ ابنا له يقال له: قثم فوضعه على صدره وهو يقول:

حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم

    نبي ذي النعم
برغم من زعم



قال ثابت: قال أنس: ثم أرسل غلاما إلى الحجاج بن علاط ، فقال: ويلك ماذا جئت به؟ وما تقول؟ وما وعد الله خير مما جئت به، فقال [ ص: 585 ] الحجاج: اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له: فليخل لي بعض بيوته فإن الخبر على ما يسره، فجاء غلامه، فلما أن بلغ الدار، قال: أبشر يا أبا الفضل ، قال: فوثب العباس حتى قبل بين عينيه فأخبره، بما قال الحجاج فأعتقه، ثم ذكر كلامه فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وفرح المسلمون ومن كان دخل بيته كئيبا (ح) قال: وحدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا أحمد بن عبده ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، حدثنا العباس بن معبد ، عن بعض أهله، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "من لقي منكم العباس فليكف عنه، فإنه خرج مستكرها"  ح قال: وحدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، قال: ابن إسحاق ، حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاما للعباس ، وكنت قد أسلمت وأسلمت أم الفضل وأسلم العباس ، فذكر قصته وذكر فيه، قال: فدفع أبو لهب.

قال الشيخ [ ص: 586 ] :

هكذا رواه مختصرا، ورواه غيره من حديث أبي إسحاق مستوفا، ذكرناه بعد هذا الفصل من رواية ابن إسحاق

عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احفظوني في العباس فإنه عمي وصفوتي

قال: وحدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، قال: حدثني معبد بن كعب بن مالك ، عن أخيه عبد الله بن كعب ، عن أبيه كعب بن مالك ، قال: خرج من المدينة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقينا رجلا بالأبطح فسألناه عنه، فقال: هل تعرفان العباس بن عبد المطلب؟ قلنا: نعم، قال: وكان العباس يختلف إلينا بالتجارة، وكنا نعرفه ويعرفنا، فقال: هو الرجل الجالس معه الآن في المسجد، فدخلنا فإذا العباس ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فسلمنا وجلسنا، فسألنا العباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذان يا عباس؟" ، فقال: هذا البراء بن معرور ، سيد قومه، وهذا كعب بن مالك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشاعر" .

ثم وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أوسط أيام التشريق، فاجتمعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العقبة، ونحن [ ص: 587 ] سبعون رجلا، وامرأتان، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس معه ليس معه غيره، حتى جلسنا، فبدأ العباس بالكلام، فقال: يا بني الخزرج إن محمدا هذا حيث قد علمتم، وإنه في حرز ومنعة في داره وقومه، وقد منعناه ممن رابه فلا يخلص إليه شيء يكرهه، وقد أبى إلا الانقطاع إليكم لما دعوتموه إليه، فإن كنتم تحسون من أنفسكم وهنا، أو ضعفا، أو خذلانا فالآن، فدعوه في قومه فإنه في منعة "
ح قال: وحدثنا أحمد بن عمرو ، وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عبد الله الشعيثي ، عن الحارث بن بدل ، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وانهزم الناس أجمعون إلا العباس بن عبد المطلب ، وأبا سفيان بن الحارث "فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم بقبضة من الأرض" .

فانهزمنا، فما يخيل إلي أنا نمر بشجرة، ولا حجر، إلا وهو في آثارنا
 
[ ص: 588 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية