الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
106 - ذكر عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

قال أهل التاريخ: فر عكرمة بن أبي جهل يوم فتح مكة إلى اليمن، فأسلمت امرأته، أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فاستأمنت له من النبي صلى الله عليه وسلم فأمنه.

روي عن سعد ، رضي الله عنه، قال: لما كان يوم فتح مكة آمن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة قال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة"   .

عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فأما عبد الله بن خطل ، فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث ، وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد ، عمارا وكان أشب الرجلين فقتله، وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب [ ص: 596 ] البحر فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا، ها هنا قال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، فما ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما، قال: فجاء فأسلم، وأما عبد الله بن أبي سرح ، فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه، ثلاثا، كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: "أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله" ، فقالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك، قال: "إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين"  وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، رضي الله عنه، أن [ ص: 597 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت في المنام كأن أبا جهل أتاني فبايعني" ، فلما أسلم خالد بن الوليد قيل: صدق الله رؤياك يا رسول الله، قال: "ليكونن غيره" ، ثم أسلم عكرمة بن أبي جهل ، فكان ذلك تصديق رؤياه  وعن عكرمة بن أبي جهل ، رضي الله عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يوم جئته قال: "مرحبا بالراكب المهاجر" ، قلت: والله يا رسول الله، لا أدع نفقة أنفقتها عليك إلا أنفقت مثلها في سبيل الله عز وجل   [ ص: 598 ] وعن ثابت البناني ، قال: ترجل عكرمة بن أبي جهل يوم أجنادين، فقال له خالد بن الوليد: لا تفعل فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال: خل عني يا خالد، فإنه قد كانت لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى ثم قتل.

أخبرنا عمر بن أحمد بن الفقيه ، في كتابه، حدثنا علي بن محمد بن الفقيه ، في كتابه، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا جرير ، عن مفخرة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال: " خرج عكرمة بن أبي جهل فأراد أن يركب البحر، فوجد على شط البحر لوحا فيه مكتوب: وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل فأتى منه فرجع فأسلم   " [ ص: 599 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية