فصل
روي عن ، عن محمد بن السائب الكلبي أبي صالح ، قال: دخل ضرار بن حمزة الكناني على معاوية رضي الله عنه، فقال: ، عليا فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك، قال: قد كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته. صف لي
كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر.
ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن يبتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، ويعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس [ ص: 208 ] الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه يتميل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا: أنى تشوفت لي، أنى تعرضت لي، هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، ثم قال: فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك كثير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فوكفت دموع معاوية رضي الله عنه على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه، فقال: كذا كان أبو الحسن ، رحمه الله.
وقال رضي الله عنه علي أشد الأعمال ثلاثة: إعطاء الحق من نفسك، وذكر الله تعالى على كل حال، ومواساة الأخ في المال.
وعن ، قال: سمعت محمد بن كعب رضي الله عنه، يقول: عليا [ ص: 209 ] . لقد رأيتني أربط الحجر على بطني من شدة الجوع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن صدقتي اليوم أربعون ألف دينار