والقول الثالث إن هذا أيضا لا يكون فيه نسخ وإنما أمر إبراهيم عليه السلام بالذبح والذبح فعله وقد فعل ما يتهيأ له وليس منعه من ذلك بمنسوب إليه أنه لم يفعل ما أمر به وهذا قول صحيح حسن عليه أهل التأويل 763 - قال " لما مجاهد: إبراهيم بذبح ابنه إسحاق قال له يا أبه خذ بناصيتي واجلس بين كتفي فلا أوذيك إذا وجدت حر السكين فلما وضع السكين على حلقه وفي بعض الأخبار فلما أمر السكين على حلقه [ ص: 597 ] انقلبت فقال له مالك يا أبه؟ قال: انقلبت قال فاطعن بها طعنا قال ففعل فانثنت فعلم الله تعالى منه الصدق ففداه بذبح عظيم " . أمر الله تعالى
قال وقد فعل أبو جعفر: إبراهيم عليه السلام ما أمر به والدليل على هذا قوله تعالى: وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فهذا مما يجب أن يقف عليه المسلمون لئلا ينسب إلى الله عز وجل البداء وإنما أشكل على قائل ذلك القول الأول قوله تعالى: وفديناه بذبح عظيم لأنه جهل معناه ولم يدر من المفدي على الحقيقة وإنما المفدي ابنه وإبراهيم عليه السلام قد فعل ما أمر به فأما القول الثاني فلو صح عن أهل التأويل لما امتنع القول به .
[ ص: 598 ] والقول الأول عظيم من القول واحتجاج صاحبه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يأمر أمته بخمسين صلاة ثم نقل ذلك إلى خمس لا حجة له فيه لأنه ليس فيه نسخ ولا نعلم أن أحدا من العلماء قال نسخ الشيء من قبل أن ينزل من السماء إلى الأرض إلا القاشاني فإنه [ ص: 599 ] خرج عن قول الجماعة ليصح له قوله إن البيان لا يتأخر وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر أمته بخمسين صلاة فمن قبل أن يأمرهم راجع وإنما مثل هذا أن يأمر الله تعالى جبريل صلى الله عليه وسلم بشيء فيراجع [ ص: 600 ] فيه فينقص منه أو يزال فلا يقال لهذا نسخ وأما الاحتجاج بقوله تعالى: الآن خفف الله عنكم فمن أين لقائل هذا أن الآية الأولى لم يعمل بها