[ ص: 474 ] وكذلك الرافضة غلوا في الرسل ، بل في الأئمة ، حتى اتخذوهم أربابا من دون الله ، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل ، وكذبوا الرسول فيما أخبر به [1] من توبة الأنبياء واستغفارهم ، فتجدهم يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، فلا يصلون فيها جمعة ولا جماعة ، وليس لها عندهم كبير [2] حرمة ، وإن صلوا فيها صلوا فيها وحدانا ، ويعظمون المشاهد المبنية [3] على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين ، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق ، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة ، بل يسبون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله على عباده ، ومن لا يستغني بها عن الجمعة والجماعة .
وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن . وقد ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد [4] . وقال قبل أن يموت بخمس : " . رواه إن من كان قبلكم كانوا [ ص: 475 ] يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك مسلم [5] . وقال : " " رواه [ إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد الإمام ] أحمد وابن حبان [6] في صحيحه [7] وقال " " . رواه اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد في الموطأ مالك [8] .
[ ص: 476 ] وقد صنف شيخهم ابن النعمان ، المعروف عندهم بالمفيد - [ وهو شيخ الموسوي والطوسي ] [9] - كتابا سماه : " مناسك المشاهد " جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج [ الكعبة ] [10] البيت الحرام الذي جعله الله قياما للناس ، وهو أول بيت وضع للناس فلا يطاف إلا به ، ولا يصلى إلا إليه [11] ولم يأمر الله إلا بحجه [12] .
، بل هذا من دين المشركين الذين قال الله فيهم : وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد ، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا [ سورة نوح : 23 ] قال [ وغيره ] : ابن عباس [13] هؤلاء كانوا قوما صالحين في [ ص: 477 ] قوم نوح لما ماتوا عكفوا على قبورهم ، فطال عليهم الأمد ، فصوروا تماثيلهم ثم عبدوهم . [14]
وقد ثبت في الصحيح [15] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه قال : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها [16] . [ وقد ثبت في ] صحيح وغيره مسلم [17] عن أبي الهياج الأسدي قال : قال [ لي ] [18] : علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا تمثالا إلا طمسته [19] . فقرن بين طمس التماثيل وتسوية القبور المشرفة ؛ لأن كليهما [20] ذريعة إلى [ ص: 478 ] الشرك كما في الصحيحين أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأينها بأرض الحبشة . وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فقال : " إن عند الله يوم القيامة " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق [21] .
والله أمر في كتابه [22] بعمارة المساجد ، ولم يذكر المشاهد . فالرافضة بدلوا دين الله فعمروا المشاهد ، وعطلوا المساجد ، مضاهاة للمشركين ، ومخالفة للمؤمنين .
قال تعالى قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد [ سورة الأعراف : 29 ] لم يقل : عند كل مشهد . وقال : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين [ سورة التوبة : 17 ، 18 ] ولم يقل : إنما يعمر [23] مشاهد الله ، بل عمار المشاهد يخشون بها غير الله ويرجون غير الله [24] .
[ ص: 479 ] وقال تعالى : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [ سورة الجن : 18 ] ولم يقل : وأن المشاهد [ لله . وقال : ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا [ سورة الحج : 40 ] ولم يقل : ومشاهد ] [25] . وقال : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة [ سورة النور 36 ، 37 ] [26] .
وأيضا فقد علم بالنقل المتواتر ، بل علم بالاضطرار [27] من دين الإسلام ، أن رسول الله [28] - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته عمارة المساجد بالصلوات ، والاجتماع للصلوات الخمس ولصلاة الجمعة والعيدين وغير ذلك ، وأنه [29] ولا مشهدا . ولم يكن على عهده - صلى الله عليه وسلم - * ) لم يشرع لأمته أن يبنوا على قبر نبي ولا رجل صالح ( * لا من أهل البيت ولا غيرهم ، لا مسجدا [30] في الإسلام مشهد ( 6 مبني على قبر ، وكذلك على عهد خلفائه الراشدين وأصحابه الثلاثة وعلي بن أبي طالب ، لم يكن على عهدهم مشهد 6 ) ومعاوية [31] مبني لا على قبر نبي ولا غيره ، لا على قبر إبراهيم الخليل ولا على [32] غيره .
[ ص: 480 ] بل لما قدم المسلمون إلى الشام غير مرة ، ومعهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهم ، ثم وعلي بن أبي طالب [33] لما قدم لفتح عمر بيت المقدس ، ثم لما قدم لوضع الجزية على أهل الذمة ومشارطتهم ، ثم لما قدم إلى سرغ [34] ، ففي جميع هذه المرات [35] لم يكن أحدهم يقصد السفر إلى قبر [36] الخليل ، ولا كان هناك مشهد ، بل كان هناك البناء المبني على المغارة ، وكان مسدودا [37] بلا باب [ له ] [38] مثل حجرة [39] النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثم لم يزل الأمر هكذا في خلافة بني أمية وبني العباس ، إلى أن ملك النصارى تلك البلاد في أواخر المائة الخامسة ، فبنوا ذلك البناء واتخذوه كنيسة [ ونقبوا باب البناء ؛ فلهذا تجد الباب منقوبا لا مبنيا ] [40] ، ثم لما استنقذ المسلمون منهم تلك الأرض اتخذها من اتخذها مسجدا .
بل كان الصحابة إذا رأوا أحدا بنى مسجدا على قبر نهوه عن ذلك ، ولما ظهر قبر دانيال بتستر [41] كتب فيه - رضي الله عنه - [ ص: 481 ] إلى أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، فكتب إليه عمر أن تحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا ، وتدفنه بالليل في واحد منها لئلا يفتتن الناس به عمر [42] .
وكان إذا رآهم يتناوبون مكانا يصلون فيه لكونه موضع نبي ينهاهم عن ذلك ، ويقول : إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ آثار أنبيائهم مساجد ، من أدركته الصلاة فيه فليصل عمر بن الخطاب [43] وإلا فليذهب .
فهذا وأمثاله مما كانوا يحققون به التوحيد الذي أرسل الله به الرسول إليهم ، ويتبعون في ذلك سنته - صلى الله عليه وسلم - .
. والإسلام مبني على أصلين : أن لا تعبد إلا الله ، وأن نعبده بما شرع ، لا نعبده بالبدع
فالنصارى خرجوا عن الأصلين ، وكذلك المبتدعون من هذه الأمة من الرافضة وغيرهم .
وأيضا ، فإن النصارى يزعمون أن الحواريين الذين اتبعوا المسيح أفضل من إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء والمرسلين ، ويزعمون أن الحواريين رسل شافههم الله بالخطاب ؛ لأنهم يقولون : إن الله هو المسيح ، ويقولون أيضا : إن المسيح ابن الله .
والرافضة تجعل الأئمة الاثني عشر أفضل من السابقين الأولين من [ ص: 482 ] المهاجرين والأنصار ، وغاليتهم يقولون : إنهم أفضل من الأنبياء لأنهم يعتقدون فيهم الإلهية كما اعتقدته النصارى في المسيح .
والنصارى يقولون : إن الدين مسلم للأحبار والرهبان ، فالحلال ما حللوه والحرام ما حرموه ، والدين ما شرعوه .
( 1 والرافضة تزعم أن الدين مسلم إلى الأئمة ، فالحلال ما حللوه والحرام ما حرموه ، والدين ما شرعوه 1 ) [44] .
وأما من دخل في غلوة الشيعة كالإسماعيلية الذين يقولون بإلهية الحاكم ونحوه من أئمتهم ، ويقولون : إن محمد بن إسماعيل نسخ [45] شريعة محمد بن عبد الله ، وغير ذلك من المقالات التي هي من مقالات الغالية [46] من الرافضة ، فهؤلاء شر من أكثر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين ، وهم ينتسبون إلى الشيعة يتظاهرون بمذاهبهم [47] .