فإن قيل : موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنة ، فإن في كثير منهم غلوا في مشايخهم وإشراكا بهم وابتداعا لعبادات غير مشروعة ، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظن به : إما ليسأله حاجاته ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع [1] وإما ليسأل الله به حاجة [2] ، وإما لظنه أن الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد .
[ ص: 483 ] ومنهم [3] من يفضل زيارة قبور شيوخهم على الحج ، ومنهم من يجد عند قبر من يعظمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت ، وغير ذلك مما يوجد في الشيعة .
ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة ، مثل قولهم : لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه الله به . وقولهم : إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور . وقولهم : قبر فلان هو الترياق المجرب .
ويروون عن بعض شيوخهم أنه قال لصاحبه : إذا كان لك حاجة فتعال إلى قبري واستغث بي ، ونحو ذلك ، فإن في المشايخ من يفعل بعد مماته كما كان يفعل في حياته . وقد يستغيث الشخص بواحد منهم ، فيتمثل له الشيطان في صورته : إما حيا وإما ميتا ، وربما قضى حاجته أو [ قضى بعض حاجته ] [4] ، كما يجري نحو ذلك للنصارى مع شيوخهم ، ولعباد الأصنام من العرب والهند والترك وغيرهم .
قيل : هذا كله مما نهى الله عنه ورسوله ، وكل ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه ، سواء كان فاعله منتسبا إلى السنة أو إلى التشيع ، ولكن الأمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر منها في أهل السنة ، [ فما يوجد في أهل السنة ] [5] من الشر ففي الرافضة أكثر منه ، وما يوجد في الرافضة من الخير ففي أهل السنة أكثر منه .
[ ص: 484 ] وهذا حال أهل الكتاب مع المسلمين : فما يوجد في المسلمين شر إلا وفي أهل الكتاب أكثر منه ، ولا يوجد في أهل الكتاب خير إلا وفي المسلمين أعظم منه .
ولهذا يذكر سبحانه مناظرة الكفار من المشركين وأهل الكتاب بالعدل ، فإن ذكروا عيبا في المسلمين لم يبرئهم منه ، لكن يبين أن عيوب الكفار أعظم .
كما قال [ تعالى ] [6] : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ثم قال : وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل [ سورة البقرة : 217 ] .
وهذه الآية نزلت لأن سرية من المسلمين ذكر أنهم قتلوا ابن الحضرمي في آخر يوم من رجب ، فعابهم المشركون بذلك ، فأنزل الله هذه الآية . [7] .
وقال تعالى : قل ياأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل [ سورة المائدة : 59 ، 60 ] [8] ، أي من لعنه الله وجعل منهم الممسوخين وعبدة [ ص: 485 ] الطاغوت فـ : " جعل " معطوف على " لعن " ، ليس المراد : وجعل [9] منهم من عبد الطاغوت ، كما ظنه بعض الناس ، فإن اللفظ لا يدل على ذلك والمعنى لا يناسبه ، فإن المراد ذمهم على ذلك لا الإخبار بأن الله جعل فيهم من يعبد الطاغوت ، إذ مجرد الإخبار بهذا لا ذم فيه لهم [10] ، بخلاف جعله منهم القردة والخنازير فإن ذلك عقوبة منه لهم على ذنوبهم وذلك خزي لهم [11] ، فعابهم بلعنة الله وعقوبته بالشرك الذي فيهم وهو عبادة الطاغوت . [12] .
والرافضة فيهم من لعنة الله وعقوبته بالشرك ما يشبهونهم به من بعض الوجوه ، فإنه قد ثبت بالنقول المتواترة أن فيهم من يمسخ كما مسخ [13] أولئك . وقد صنف الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد [ المقدسي ] [14] كتابا سماه : " النهي عن سب الأصحاب ، وما ورد فيه من [ ص: 486 ] الذم والعقاب " وذكر فيه حكايات ( 1 معروفة في ذلك ، وأعرف أنا حكايات 1 ) [15] أخرى لم يذكرها هو .
وفيهم من الشرك والغلو ما ليس في سائر طوائف الأمة ؛ ولهذا أظهر ما يوجد الغلو في طائفتين : في النصارى والرافضة . ويوجد أيضا في طائفة ثالثة من أهل النسك والزهد والعبادة الذين يغلون في شيوخهم ويشركون بهم . [16]