الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : إن الإمام بعده الحسن ، وبعضهم قال : إنه معاوية [1] " .

                  فيقال : . أهل السنة لم يتنازعوا في هذا ، بل هم يعلمون أن الحسن بايعه أهل العراق مكان أبيه ، وأهل الشام كانوا مع معاوية قبل ذلك .

                  وقوله : " ثم ساقوا الإمامة في بني أمية ثم في بني العباس [2] " .

                  [ ص: 547 ] فيقال : أهل السنة لا يقولون إن الواحد من هؤلاء كان هو الذي يجب أن يولى دون من سواه ، ولا يقولون إنه تجب طاعته في كل ما يأمر به ، بل أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب ، فيشهدون بما وقع [3] ، ويأمرون بما أمر الله [4] ورسوله ، فيقولون : هؤلاء هم الذين تولوا ، وكان لهم سلطان وقدرة يقدرون بها على مقاصد الولاية : من إقامة الحدود ، وقسم الأموال ، وتولية الولايات [5] ، وجهاد العدو ، وإقامة الحج والأعياد والجمع ، وغير ذلك من مقاصد الولايات [6] .

                  ويقولون : إن الواحد من هؤلاء ونوابهم وغيرهم لا يجوز أن يطاع في معصية الله ، بل يشارك فيما يفعله من طاعة الله : فيغزى معه الكفار ، ويصلى معه الجمعة والعيدان ، ويحج معه ، ويعاون في إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأمثال ذلك ، فيعاونون على البر والتقوى ، ولا يعاونون على الإثم والعدوان .

                  ويقولون : إنه قد تولى غير هؤلاء : تولى بالغرب طائفة من بني أمية وطائفة من بني علي [7] ، ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة ، وأنه لو تولى من هو دون هؤلاء من الملوك الظلمة لكان ذلك خيرا من [ ص: 548 ] عدمهم ، كما يقال : ستون سنة مع إمام جائر ، خير من ليلة واحدة بلا إمام .

                  ويروى عن علي - رضي الله عنه - [8] أنه قال : لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة . قيل له : هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة ؟ قال : يؤمن بها السبيل ، ويقام به الحدود ، ويجاهد به العدو ، ويقسم بها الفيء . ذكره علي بن معبد في كتاب " الطاعة والمعصية " [9] .

                  وكل من تولى كان خيرا من المعدوم المنتظر الذي تقول الرافضة : إنه الخلف الحجة ، فإن هذا لم يحصل بإمامته شيء من المصلحة لا في الدنيا ولا في الدين أصلا ، فلا فائدة في إمامته إلا الاعتقادات الفاسدة والأماني الكاذبة [ والفتن بين الأمة ] [10] وانتظار من لا يجيء ، فتطوى الأعمار ولم يحصل من فائدة هذه الإمامة شيء .

                  والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور ، بل كانت تفسد أمورهم [11] ، فكيف تصلح أمورهم إذا لم يكن لهم إمام إلا من لا يعرف ولا يدري ما يقول ، ولا يقدر على شيء من أمور الإمامة بل هو معدوم ؟ [ ص: 549 ] وأما آباؤه فلم يكن لهم قدرة ولا سلطان [12] الإمامة ، بل كان لأهل العلم والدين منهم إمامة أمثالهم من جنس الحديث والفتيا ونحو ذلك ، لم يكن لهم سلطان الشوكة ؛ فكانوا عاجزين عن الإمامة ، سواء كانوا أولى بالإمامة [13] أو لم يكونوا أولى .

                  فبكل حال ما مكنوا ولا ولوا ولا كان يحصل لهم [14] المطلوب من الولاية لعدم القدرة والسلطان ، ولو أطاعهم المؤمن لم يحصل له بطاعتهم المصالح التي تحصل بطاعة الأئمة : من جهاد الأعداء وإيصال الحقوق إلى مستحقيها - أو بعضهم - وإقامة الحدود .

                  فإن قال القائل : إن الواحد من هؤلاء أو من غيرهم إمام ، أي ذو سلطان وقدرة يحصل بهما مقاصد الإمامة [15] ؛ كان هذا مكابرة للحس ، ولو كان [ ذلك ] [16] كذلك ، لم يكن هناك متول يزاحمهم ولا يستبد بالأمر دونهم ، وهذا لا يقوله أحد .

                  وإن قال : إنهم أئمة بمعنى أنهم هم الذين كانوا [17] يجب أن يولوا ، وأن الناس عصوا بترك توليتهم ، فهذا بمنزلة أن يقال : فلان كان يستحق أن يولى ( 7 إمامة الصلاة وأن يولى 7 ) [18] القضاء ، ولكن لم يول ظلما وعدوانا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية