الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله [1] : " ولأنه [2] ليس في جهة " .

                  فيقال : للناس في إطلاق لفظ الجهة ثلاثة أقوال : فطائفة تنفيها ، وطائفة تثبتها ، وطائفة تفصل [3] . وهذا النزاع موجود في المثبتة للصفات من أصحاب الأئمة الأربعة وأمثالهم ، [ ونزاع ] أهل الحديث والسنة [4] الخاصة في نفي [5] ذلك وإثباته [ ص: 322 ] نزاع لفظي ، ليس هو نزاعا معنويا . ولهذا كان طائفة من أصحاب [ الإمام ] [6] أحمد - كالتميميين والقاضي [ أبي يعلى ] [7] في أول قوليه تنفيها [8] ، وطائفة أخرى [ أكثر منهم ] [9] تثبتها ، وهو آخر قولي [10] القاضي .

                  [ والمتبعون للسلف لا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين أن ما أثبت بها فهو ثابت وما نفي بها فهو منفي ، لأن المتأخرين قد صار لفظ الجهة في اصطلاحهم فيه إجمال وإبهام كغيرها من ألفاظهم الاصطلاحية ، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي ، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا ، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به ، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلا مخالفا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والميزان ] [11] .

                  [ ص: 323 ] وذلك أن لفظ " الجهة " قد يراد به ما هو موجود ، وقد يراد به ما هو معدوم ، ومن المعلوم أنه [12] لا موجود إلا الخالق والمخلوق ، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله كان مخلوقا ، والله تعالى لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات ( 2 فإنه بائن من المخلوقات 2 ) [13] .

                  وإن أريد بالجهة أمر عدمي ، وهو ما فوق العالم [14] ، فليس هناك إلا الله وحده .

                  فإذا قيل : إنه في جهة ; [ إن ] [15] كان معنى الكلام أنه هناك فوق العالم حيث انتهت المخلوقات ، فهو فوق الجميع عال عليه .

                  [16] [ ونفاة لفظ " الجهة " يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة ، وأنه كان قبل الجهة ، وأنه من قال : إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم ، أو أنه كان مستغنيا عن الجهة ثم صار فيها .

                  وهذه الأقوال ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمي جهة أو لم يسم . وهذا حق ; فإنه سبحانه منزه عن أن تحيط به المخلوقات ، أو أن يكون مفتقرا إلى شيء منها : العرش أو غيره . ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا - كما جاء الحديث [17] - يكون العرش فوقه ، ويكون محصورا بين طبقتين من [ ص: 324 ] العالم ، فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة ، كما قد بسط في موضعه . وكذلك توقف من توقف في نفي ذلك من أهل الحديث فإنما ذلك لضعف علمه بمعاني الكتاب والسنة وأقوال السلف .

                  ومن نفى الجهة وأراد بالنفي كون المخلوقات محيطة به أو كونه مفتقرا إليها فهذا حق ، لكن عامتهم [18] لا يقتصرون على هذا ، بل ينفون أن يكون فوق العرش رب العالمين ، أو أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - عرج به إلى الله ، أو أن يصعد إليه شيء وينزل منه شيء ، أو أن يكون مباينا للعالم ، بل تارة يجعلونه لا مباينا ولا محايثا [19] ، فيصفونه بصفة المعدوم والممتنع ، وتارة يجعلونه حالا في كل موجود ، أو يجعلونه وجود كل موجود ، ونحو ذلك مما يقوله أهل التعطيل وأهل الحلول ] [20] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية