وأما قوله [1] : " ولأنه [2] ليس في جهة " .
فيقال : : فطائفة تنفيها ، وطائفة تثبتها ، وطائفة تفصل للناس في إطلاق لفظ الجهة ثلاثة أقوال [3] . وهذا النزاع موجود في المثبتة للصفات من أصحاب الأئمة الأربعة وأمثالهم ، [ ونزاع ] أهل الحديث والسنة [4] الخاصة في نفي [5] ذلك وإثباته [ ص: 322 ] نزاع لفظي ، ليس هو نزاعا معنويا . ولهذا كان طائفة من أصحاب [ الإمام ] [6] أحمد - كالتميميين والقاضي [ أبي يعلى ] [7] في أول قوليه تنفيها [8] ، وطائفة أخرى [ أكثر منهم ] [9] تثبتها ، وهو آخر قولي [10] القاضي .
[ والمتبعون للسلف لا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين أن ما أثبت بها فهو ثابت وما نفي بها فهو منفي ، لأن المتأخرين قد صار لفظ الجهة في اصطلاحهم فيه إجمال وإبهام كغيرها من ألفاظهم الاصطلاحية ، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي ، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا ، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به ، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلا مخالفا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والميزان ] [11] .
[ ص: 323 ] وذلك أن لفظ " الجهة " قد يراد به ما هو موجود ، وقد يراد به ما هو معدوم ، ومن المعلوم أنه [12] لا موجود إلا الخالق والمخلوق ، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله كان مخلوقا ، والله تعالى لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات ( 2 فإنه بائن من المخلوقات 2 ) [13] .
وإن أريد بالجهة أمر عدمي ، وهو ما فوق العالم [14] ، فليس هناك إلا الله وحده .
فإذا قيل : إنه في جهة ; [ إن ] [15] كان معنى الكلام أنه هناك فوق العالم حيث انتهت المخلوقات ، فهو فوق الجميع عال عليه .
[16] [ ونفاة لفظ " الجهة " يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة ، وأنه كان قبل الجهة ، وأنه من قال : إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم ، أو أنه كان مستغنيا عن الجهة ثم صار فيها .
وهذه الأقوال ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمي جهة أو لم يسم . وهذا حق ; فإنه سبحانه منزه عن أن تحيط به المخلوقات ، أو أن يكون مفتقرا إلى شيء منها : العرش أو غيره . ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا - كما جاء الحديث [17] - يكون العرش فوقه ، ويكون محصورا بين طبقتين من [ ص: 324 ] العالم ، فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة ، كما قد بسط في موضعه . وكذلك توقف من توقف في نفي ذلك من أهل الحديث فإنما ذلك لضعف علمه بمعاني الكتاب والسنة وأقوال السلف .
، لكن عامتهم ومن نفى الجهة وأراد بالنفي كون المخلوقات محيطة به أو كونه مفتقرا إليها فهذا حق [18] لا يقتصرون على هذا ، بل ينفون أن يكون فوق العرش رب العالمين ، أو أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - عرج به إلى الله ، أو أن يصعد إليه شيء وينزل منه شيء ، أو أن يكون مباينا للعالم ، بل تارة يجعلونه لا مباينا ولا محايثا [19] ، فيصفونه بصفة المعدوم والممتنع ، وتارة يجعلونه حالا في كل موجود ، أو يجعلونه وجود كل موجود ، ونحو ذلك مما يقوله أهل التعطيل وأهل الحلول ] [20] .