وأما الطريق الثاني [1] : : قولك ليس في جهة ، وكل ما ليس في جهة لا يرى ، فهو لا يرى ، وهكذا فيقال : لهذا المنكر للرؤية المستدل على نفيها بانتفاء لازمها وهو الجهة ، فيقولون لو رئي للزم كذا ، واللازم منتف فينتفي الملزوم . جميع نفاة الحق ينفونه لانتفاء لازمه في ظنهم
والجواب العام لمثل هذه الحجج الفاسدة بمنع إحدى المقدمتين إما معينة وإما غير معينة فإنه لا بد أن تكون إحداهما باطلة أو كلتاهما باطلة [2] ، وكثيرا ما يكون اللفظ فيهما مجملا يصح باعتبار ويفسد باعتبار ، وقد جعلوا الدليل هو ذلك اللفظ المجمل ، ويسميه المنطقيون الحد الأوسط ، فيصح في مقدمة بمعنى ، ويصح في الأخرى بمعنى آخر ، ولكن اللفظ مجمل ، فيظن الظان لما في اللفظ من الإجمال وفي المعنى من الاشتباه أن المعنى المذكور في هذه المقدمة هو المعنى المذكور في المقدمة الأخرى ، ولا يكون الأمر كذلك .
مثال ذلك في ] مسألة الرؤية [3] [ أن يقال : له ] [4] : أتريد بالجهة أمرا وجوديا أو أمرا عدميا ؟ [ ص: 349 ] فإذا أردت به أمرا وجوديا كان التقدير : كل ما ليس في شيء موجود لا يرى . وهذه المقدمة [ ممنوعة ولا دليل على إثباتها بل هي ] [5] [ باطلة ] [6] فإن سطح العالم يمكن أن يرى وليس العالم في عالم آخر .
وإن أردت بالجهة أمرا عدميا كانت المقدمة الثانية ممنوعة ، فلا نسلم أنه ليس بجهة بهذا التفسير .
وهذا مما خاطبت [7] به غير واحد من الشيعة والمعتزلة فنفعه [8] الله به ، وانكشف بسبب هذا التفصيل [9] ما وقع في هذا المقام من الاشتباه والتعطيل [10] . وكانوا يعتقدون [11] أن ما [12] معهم من العقليات النافية للرؤية قطعية لا يقبل في نقيضها [13] نص الرسل ، فلما تبين [14] لهم أنها [15] شبهات مبنية على ألفاظ مجملة ومعان مشتبهة ، تبين أن الذي ثبت عن الرسول [ - صلى الله عليه وسلم - ] [16] هو الحق المقبول ، ولكن ليس هذا [ المكان ] [17] موضع بسط هذا ، فإن هذا النافي إنما أشار إلى قولهم إشارة [18] . \ 0 5