الوجه الثالث :
أن قوله : إنه نصب أولياء معصومين لئلا يخلي الله العالم من لطفه ، ورحمته .
إن أراد بقوله : إنه نصب أولياء أنه مكنهم ، وأعطاهم القدرة على سياسة الناس حتى ينتفع الناس بسياستهم [1] ، فهذا كذب واضح ، وهم لا يقولون . ذلك ، بل يقولون : إن الأئمة مقهورون مظلومون عاجزون ليس لهم سلطان ، ولا قدرة ، ولا مكنة ، ويعلمون أن الله لم يمكنهم ، ولم يملكهم ، فلم يؤتهم [2] ولاية ، ولا ملكا كما آتى المؤمنين والصالحين [3] ، ولا كما آتى الكفار والفجار .
فإنه سبحانه قد آتى الملك لمن آتاه من الأنبياء ، كما قال في داود : ( وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) [ سورة البقرة : 251 ] ، وقال تعالى : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) [ سورة النساء : 54 ] ، وقال تعالى : ( وقال الملك ائتوني به ) [ سورة يوسف 54 ] .
وقال : ( وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) [ سورة الكهف : 79 ] ، [ ص: 132 ] وقال [ تعالى ] [4] : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ) [ سورة البقرة : 258 ] .
فقد آتى الملك لبعض الكفار ، كما آتاه لبعض الأنبياء ، ومن بعد - رضي الله عنه - ، علي لم يؤت الملك لأحد والحسن [5] من هؤلاء ، كما أوتيه الأنبياء ، والصالحون ، ولا كما أوتيه غيرهم من الملوك ، فبطل أن يكون الله نصب هؤلاء المعصومين على هذا الوجه .
فإن قيل : المراد بنصبهم أنه أوجب على الخلق طاعتهم ، فإذا أطاعوهم هدوهم لكن الخلق عصوهم .
فيقال : فلم يحصل بمجرد ذلك في العالم لا لطف ، ولا رحمة ، بل [6] إنما حصل تكذيب الناس لهم ، ومعصيتهم إياهم ، وأيضا ، فالمؤمنون بالمنتظر لم ينتفعوا به ، ولا حصل [ لهم ] [7] به لطف ، ولا مصلحة مع كونهم يحبونه ، ويوالونه فعلم أنه لم يحصل به لطف [8] ، ولا مصلحة لا لمن أقر بإمامته ، ولا لمن جحدها .
فبطل ما يذكرون أن العالم حصل فيه اللطف ، والرحمة بهذا المعصوم ، وعلم بالضرورة أن هذا [9] العالم لم يحصل فيه بهذا المنتظر شيء من ذلك لا لمن آمن به ، ولا لمن كفر به بخلاف الرسول ، والنبي الذي بعثه الله ، [ ص: 133 ] وكذبه قوم ، فإنه انتفع به من آمن به ، وأطاعه ، فكان رحمة في حق المؤمن به المطيع له [10] ، وأما العاصي فهو المفرط .
وهذا المنتظر لم ينتفع به لا مؤمن به [11] ، ولا كافر به [12] ، وأما سائر الاثني عشر سوى علي [13] ، فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أهل العلم والدين من جنس تعليم العلم ، والتحديث ، والإفتاء [14] ، ونحو ذلك ، وأما المنفعة المطلوبة من الأئمة ذوي السلطان والسيف ، فلم تحصل لواحد منهم ، فتبين أن ما ذكره من اللطف ، والمصلحة بالأئمة تلبيس محض ، وكذب .