الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل ) قال [ الرافضي ] [1] : " ومنها التقسيم الذي ذكره سيدنا ومولانا الإمام موسى بن جعفر الكاظم [2] ، وقد سأله أبو حنيفة وهو صبي ، فقال : المعصية ممن ؟ فقال الكاظم [3] : المعصية إما [ ص: 138 ] من العبد أو من الله [4] أو منهما [5] ، فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويؤاخذه [6] بما لم يفعله ، وإن كانت المعصية منهما فهو شريكه ، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت المعصية من العبد [7] وحده فعليه وقع الأمر [8] وإليه توجه [9] المدح والذم . وهو أحق بالثواب والعقاب ، ووجب له [10] الجنة أو النار [11] فقال أبو حنيفة : " ذرية بعضها من بعض " .

                  فيقال : أولا : هذه الحكاية لم يذكر لها إسنادا فلا تعرف صحتها ، فإن المنقولات [12] إنما تعرف صحتها بالأسانيد الثابتة ، لا سيما مع كثرة الكذب في هذا الباب ، كيف والكذب عليها ظاهر ، فإن أبا حنيفة [13] من المقرين بالقدر باتفاق أهل المعرفة به وبمذهبه ، وكلامه في الرد على [ ص: 139 ] القدرية [14] معروف في الفقه الأكبر [15] وقد بسط [16] الحجج في الرد عليهم بما لم يبسطه على غيرهم في هذا الكتاب ، وأتباعه متفقون على أن هذا هو [17] مذهبه ، وهو مذهب الحنفية المتبعين له ، ومن انتسب إليه في الفروع وخرج عن هذا [18] من المعتزلة ونحوهم فلا يمكنه [19] أن يحكي هذا القول عنه ، بل هم عند أئمة الحنفية الذين يفتى بقولهم مذمومون معيبون من [20] أهل البدع والضلالة [21] ، فكيف يحكى عن أبي حنيفة أنه استصوب قول من يقول إن الله لم يخلق أفعال العباد ؟

                  وأيضا فموسى بن جعفر وسائر علماء أهل البيت متفقون على إثبات القدر ، والنقل بذلك عنهم [22] ظاهر معروف . وقدماء الشيعة كانوا متفقين على إثبات القدر والصفات ، وإنما شاع فيهم رد [23] القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة في دولة بني بويه [24] .

                  [ ص: 140 ] وأيضا ، فهذا الكلام المحكي عن موسى بن جعفر يقوله أصاغر القدرية وصبيانهم ، وهو معروف من حين حدثت القدرية قبل أن يولد موسى بن جعفر ، فإن موسى بن جعفر ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة قبل الدولة العباسية بنحو ثلاث سنين ، وتوفي ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة . قال أبو حاتم : ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين [25] والقدرية حدثوا قبل هذا التاريخ ، بل حدثوا في أثناء المائة الأولى من زمن الزبير وعبد الملك [26] .

                  [ وهذا مما يبين أن هذه الحكاية كذب ، فإن أبا حنيفة إنما اجتمع بجعفر بن محمد ، وأما موسى بن جعفر فلم يكن ممن سأله [27] أبو حنيفة ولا اجتمع به ، وجعفر بن محمد هو من أقران أبي حنيفة ، ولم يكن أبو حنيفة ( ممن ) [28] يأخذ عنه مع شهرته بالعلم ، فكيف يتعلم من موسى بن جعفر ] [29] ؟

                  [ ص: 141 ] وما ذكره [30] في هذه الحكاية من قول القائل : هو أعدل من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعله ، هو أصل كلام القدرية الذي يعرفه عامتهم وخاصتهم ، وهو أساس مذهبهم وشعاره [31] ; ولهذا سموا أنفسهم العدلية ، فإضافة هذا إلى موسى بن جعفر لو كان حقا ليس فيه فضيلة [ له ] ولا مدح [32] ، إذا كان صبيان القدرية يعرفونه ، فكيف إذا كان كذبا مختلقا عليه ؟

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية