( فصل ) قال [ الرافضي ] [1] : " ومنها التقسيم الذي ذكره سيدنا ومولانا الإمام موسى بن جعفر الكاظم [2] ، وقد سأله وهو صبي ، فقال : أبو حنيفة فقال المعصية ممن ؟ الكاظم [3] : المعصية إما [ ص: 138 ] من العبد أو من الله [4] أو منهما [5] ، فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويؤاخذه [6] بما لم يفعله ، وإن كانت المعصية منهما فهو شريكه ، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت المعصية من العبد [7] وحده فعليه وقع الأمر [8] وإليه توجه [9] المدح والذم . وهو أحق بالثواب والعقاب ، ووجب له [10] الجنة أو النار [11] فقال : " أبو حنيفة ذرية بعضها من بعض " .
فيقال : أولا : هذه الحكاية لم يذكر لها إسنادا فلا تعرف صحتها ، فإن المنقولات [12] إنما تعرف صحتها بالأسانيد الثابتة ، لا سيما مع كثرة الكذب في هذا الباب ، كيف والكذب عليها ظاهر ، فإن أبا حنيفة [13] باتفاق أهل المعرفة به وبمذهبه ، وكلامه في الرد على [ ص: 139 ] من المقرين بالقدر القدرية [14] معروف في الفقه الأكبر [15] وقد بسط [16] الحجج في الرد عليهم بما لم يبسطه على غيرهم في هذا الكتاب ، وأتباعه متفقون على أن هذا هو [17] مذهبه ، وهو مذهب الحنفية المتبعين له ، ومن انتسب إليه في الفروع وخرج عن هذا [18] من المعتزلة ونحوهم فلا يمكنه [19] أن يحكي هذا القول عنه ، بل هم عند أئمة الحنفية الذين يفتى بقولهم مذمومون معيبون من [20] أهل البدع والضلالة [21] ، فكيف يحكى عن أنه استصوب قول من يقول إن الله لم يخلق أفعال العباد ؟ أبي حنيفة
وأيضا فموسى بن جعفر وسائر علماء أهل البيت متفقون على ، والنقل بذلك عنهم إثبات القدر [22] ظاهر معروف . وقدماء الشيعة كانوا متفقين على إثبات القدر والصفات ، وإنما شاع فيهم رد [23] القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة في دولة بني بويه [24] .
[ ص: 140 ] وأيضا ، فهذا الكلام المحكي عن موسى بن جعفر يقوله أصاغر القدرية وصبيانهم ، وهو معروف من حين حدثت القدرية قبل أن يولد موسى بن جعفر ، فإن موسى بن جعفر ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة قبل الدولة العباسية بنحو ثلاث سنين ، وتوفي ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة . قال أبو حاتم : ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين [25] والقدرية حدثوا قبل هذا التاريخ ، بل حدثوا في أثناء المائة الأولى من زمن الزبير وعبد الملك [26] .
[ وهذا مما يبين أن هذه الحكاية كذب ، فإن إنما اجتمع أبا حنيفة ، وأما بجعفر بن محمد موسى بن جعفر فلم يكن ممن سأله [27] ولا اجتمع به ، أبو حنيفة هو من أقران وجعفر بن محمد ، ولم يكن أبي حنيفة ( ممن ) أبو حنيفة [28] يأخذ عنه مع شهرته بالعلم ، فكيف يتعلم من موسى بن جعفر ] [29] ؟
[ ص: 141 ] وما ذكره [30] في هذه الحكاية من قول القائل : هو أعدل من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعله ، هو الذي يعرفه عامتهم وخاصتهم ، وهو أساس مذهبهم وشعاره أصل كلام القدرية [31] ; ولهذا سموا أنفسهم العدلية ، فإضافة هذا إلى موسى بن جعفر لو كان حقا ليس فيه فضيلة [ له ] ولا مدح [32] ، إذا كان صبيان القدرية يعرفونه ، فكيف إذا كان كذبا مختلقا عليه ؟