[ الوجه ] [1] الخامس : أن يقال كما أن الطاعة من العبد ، ومعلوم أنه إذا كانت الطاعة منه بمعنى أنه فعلها بقدرته ومشيئته ، لم يمتنع أن يكون الله هو الذي جعله فاعلا لها بقدرته ومشيئته ، بل هذا هو الذي يدل عليه الشرع والعقل . المعصية من العبد
كما قال الخليل : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [ سورة البقرة : 128 ] ، وقال : رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي [ سورة إبراهيم : 40 ] ، وقال تعالى : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا [ سورة السجدة : 24 ] .
ولأن كونه فاعلا بعد أن لم يكن أمر حادث فلا بد له من محدث ، والعبد يمتنع أن يكون هو الفاعل لكونه فاعلا ; لأن كونه فاعلا [2] إن كان حدث بنفس كونه فاعلا ، لزم أن يكون الشيء حدث [3] بنفسه من غير إحداث ، وهو ممتنع .
[ ص: 154 ] وإن كان بفاعلية أخرى ، فإن كانت هذه حدثت بالأولى [4] لزم الدور القبلي ، وإن كانت حدثت [5] بغيرها لزم التسلسل في الأمور المتناهية ، وكلاهما باطل ; فعلم أن كون ، لا يمنع أن يكون العبد فقيرا إلى الله في كل شيء ، لا يستغني عن الله في شيء قط الطاعة والمعصية من العبد يستحق عليها المدح والذم والثواب والعقاب [6] ، وأن يكون الله خالق جميع أموره ، وأن يكون نفس فعله من الحوادث والممكنات المستندة إلى قدرة الله ومشيئته .