الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثالث : طريقة أئمة الفقهاء [1] وأهل الحديث وكثير من أهل النظر وغيرهم أن الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة [2] تتعلق بالأمر ، وإرادة تتعلق بالخلق . فالإرادة المتعلقة بالأمر أن يريد من العبد فعل ما أمره به [3] وأما إرادة الخلق فأن يريد ما يفعله هو . فإرادة الأمر هي المتضمنة للمحبة والرضا وهي الإرادة الدينية . والثانية المتعلقة [4] بالخلق هي المشيئة وهي الإرادة الكونية القدرية .

                  [ ص: 157 ] فالأولى كقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ سورة البقرة : 185 ] وقوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم [ سورة النساء : 26 ] إلى قوله : يريد الله أن يخفف عنكم [ سورة النساء : 28 ] ، وقوله : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [ سورة المائدة : 6 ] وقوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب : 33 ] .

                  والثانية كقوله تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا [ سورة الأنعام : 125 ] وقول نوح : ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم [ سورة هود : 34 ] .

                  ومن هذا النوع قول المسلمين : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن النوع الأول قولهم لمن يفعل القبائح [5] : هذا يفعل ما لا يريده الله . وإذا [6] كان كذلك فالكفر والفسوق والعصيان ليس مرادا للرب بالاعتبار الأول ، والطاعة موافقة تلك الإرادة أو موافقة للأمر [7] المستلزم لتلك الإرادة ، فأما موافقة مجرد النوع الثاني فلا يكون به مطيعا ، وحينئذ فالنبي يقول [ له ] [8] : بل الرب يبغض كفرك [9] ولا يحبه ولا يرضاه لك [ ص: 158 ] أن تفعله ولا يريده بهذا الاعتبار ، والنبي يأمره بالإيمان الذي يحبه الله ويرضاه له [10] ويريده بهذا الاعتبار .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية