الوجه الثالث : طريقة أئمة الفقهاء [1] وأهل الحديث وكثير من أهل النظر وغيرهم أن إرادة الإرادة في كتاب الله نوعان : [2] تتعلق بالأمر ، وإرادة تتعلق بالخلق . فالإرادة المتعلقة بالأمر أن يريد من العبد فعل ما أمره به [3] وأما إرادة الخلق فأن يريد ما يفعله هو . فإرادة الأمر هي المتضمنة للمحبة والرضا وهي الإرادة الدينية . والثانية المتعلقة [4] بالخلق هي المشيئة وهي الإرادة الكونية القدرية .
[ ص: 157 ] فالأولى كقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ سورة البقرة : 185 ] وقوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم [ سورة النساء : 26 ] إلى قوله : يريد الله أن يخفف عنكم [ سورة النساء : 28 ] ، وقوله : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [ سورة المائدة : 6 ] وقوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب : 33 ] .
والثانية كقوله تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا [ سورة الأنعام : 125 ] وقول نوح : ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم [ سورة هود : 34 ] .
ومن هذا النوع قول المسلمين : ، ومن النوع الأول قولهم لمن يفعل القبائح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن [5] : هذا يفعل ما لا يريده الله . وإذا [6] كان كذلك ، والطاعة موافقة تلك الإرادة أو موافقة للأمر فالكفر والفسوق والعصيان ليس مرادا للرب بالاعتبار الأول [7] المستلزم لتلك الإرادة ، فأما موافقة مجرد النوع الثاني فلا يكون به مطيعا ، وحينئذ فالنبي يقول [ له ] [8] : بل الرب يبغض كفرك [9] ولا يحبه ولا يرضاه لك [ ص: 158 ] أن تفعله ولا يريده بهذا الاعتبار ، والنبي يأمره بالإيمان الذي يحبه الله ويرضاه له [10] ويريده بهذا الاعتبار .