قال [ الرافضي ] الإمامي [1] : " ومنها أنه يلزم نسبة السفه [2] إلى الله تعالى لأنه يأمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه ، وينهاه عن المعصية وقد أرادها منه [3] ، وكل عاقل ينسب من يأمر [4] بما لا يريد [5] وينهى عما يريد [6] إلى السفه ، تعالى الله عن ذلك " .
[ ص: 180 ] فيقال له : قد تقدم أن المحققين من أهل السنة يقولون : [ إن ] [7] الإرادة ، نوعان : إرادة الخلق وإرادة الأمر [8] فإرادة الأمر أن يريد من المأمور [9] فعل ما أمر به ، وإرادة الخلق أن يريد هو خلق ما يحدثه من أفعال العباد وغيرها . والأمر مستلزم للإرادة الأولى دون الثانية .
والله تعالى أمر الكافر بما أراده منه بهذا الاعتبار ، وهو ما [10] يحبه ويرضاه ، ونهاه عن المعصية التي لم يردها منه ، [ أي لم يحبها ولم يرضها بهذا الاعتبار ] [11] ، فإنه لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد . وقد قال تعالى : إذ يبيتون ما لا يرضى من القول [ سورة النساء : 108 ] وإرادة [12] الخلق هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد ، فهذه الإرادة لا تتعلق إلا بالموجود ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . وفرق بين أن يريد هو أن يفعل ، فإن هذا يكون لا محالة لأنه قادر على ما يريده ، فإذا[13] اجتمعت الإرادة والقدرة وجب وجود المراد ، وبين أن يريد من غيره أن يفعل ذلك الغير فعلا [14] لنفسه ، فإن هذا [15] لا يلزم أن يعينه عليه .
[ ص: 181 ] وأما طائفة من المثبتين للقدر فظنوا أن الإرادة نوع واحد ، [ وأنها [16] هي المشيئة ] [17] فقالوا : يأمر بما لا يريده [18] .
ثم هؤلاء على قسمين : فقسم قالوا : يأمر بما يحبه ويرضاه وإن لم يرده ، أي لم يشأ وجوده ، وهذا مذهب جمهور القائلين بهذا القول من الفقهاء وغيرهم .
وقسم قالوا : بل المحبة والرضا هي الإرادة وهي المشيئة ، فهو يأمر بما لم يرده ولم يحبه ولم يرضه ، وما وقع من الكفر والفسوق عند [19] هؤلاء أحبه ورضيه [20] ، كما أراده وشاءه ، ولكن يقولون [21] : لا يحبه ولا يرضاه دينا ، كما لا يريده دينا [ ولا يشاؤه دينا ] [22] ، ولا يحبه ولا يرضاه ممن لم يقع منه ، [ كما لم يرده ممن لم يقع منه ، ولم يشأه ممن لم يقع منه ] [23] وهذا قول وأكثر أصحابه ، وحكاه هو عن طائفة من أهل الإثبات ، وحكي عنه كالقول الأشعري [24] الأول .
وأصحاب هذا القول هم القدرية [25] من المعتزلة والشيعة وغيرهم [ ص: 182 ] يجعلون الرضا والمحبة بمعنى الإرادة ، ثم قالت القدرية النفاة : والكفر والفسوق والمعاصي لا يحبها ولا يرضاها [26] بالنص وإجماع الفقهاء ، فلا يريدها ولا يشاؤها [27] .
وقال هؤلاء المثبتة : هو شاء ذلك بالنص وإجماع السلف ، فيكون قد أحبه ورضيه وأراده . وأما جمهور الناس فيفرقون بين المشيئة والإرادة [28] وبين المحبة والرضا ، كما يوجد الفرق بينهما في الناس ، فإن الإنسان قد يريد شرب الدواء ونحوه من الأشياء الكريهة التي يبغضها ولا يحبها ، ويحب أكل [29] الأشياء التي يشتهيها ، كاشتهاء المريض لما حمي عنه [30] ، واشتهاء الصائم الماء البارد مع عطشه ولا يريد فعل ذلك [31] ، فقد تبين أنه يحب ما لا يريده ويريد ما لا يحبه [32] ، وذلك أن المراد قد يراد لغيره ، فيريد الأشياء المكروهة لما في عاقبتها من الأشياء المحبوبة [33] ويكره فعل بعض ما يحبه [34] لأنه يفضي إلى ما يبغضه .
والله تعالى له الحكمة [35] فيما يخلقه ، وهو سبحانه يحب المتقين [ ص: 183 ] والمحسنين والتوابين ، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ويفرح بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في مهلكة إذا وجدها بعد الإياس [36] منها كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ، كقوله : " [37] بأرض دوية [38] مهلكة عليها طعامه وشرابه ، فطلبها فلم يجدها ، فنام ينتظر الموت ، فلما استيقظ إذا بدابته عليها طعامه وشرابه ، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته " لله أشد فرحا بتوبة أحدكم من رجل أضل راحلته [39] .
والمتفلسفة [40] يعبرون بلفظ البهجة واللذة [41] والعشق ونحو ذلك عن الفرح والمحبة وما يتبع ذلك ، وإذا كان كذلك فهو سبحانه يريد وجود [ بعض ] الأشياء [42] لإفضائها إلى ما يحبه ويرضاه ، وهو سبحانه قد لا يفعل بعض ما يحبه لكونه يستلزم وجود ما يكرهه ويبغضه ، فهو سبحانه قادر على أن يخلق من كل نطفة رجلا يجعله مؤمنا به [43] يحبه ويحب إيمانه ، لكنه لم يفعل ذلك لما له في ذلك [44] من الحكمة ، وقد يعلم أن ذلك يفضي إلى ما يبغضه ويكرهه .
[ ص: 184 ] وإذا قيل : فهلا يفعل هذا ويمنع ما يبغضه .
قيل : من الأشياء ما يكون ممتنعا لذاته ، ومنها ما يكون ممتنعا لغيره ، واللذة [45] الحاصلة بالأكل لا تحصل هي ولا نوعها [46] بالشرب [47] والسماع والشم ، وإنما تحصل لذة أخرى .
ووجود لذة الأكل في الفم تنافي حصول لذة الشرب في تلك الحال ، وتلذذ العبد بسماع بعض [48] الأصوات يمنع تلذذه بسماع صوت آخر في تلك الحال ، فليس كل ما هو محبوب للعبد ولذيذ له يمكن اجتماعه في آن [49] واحد ، بل لا يمكن حصول [50] أحد الضدين إلا بتفويت الآخر ، وما من شيء [51] مخلوق إلا له لوازم وأضداد ، فلا يوجد إلا بوجود لوازمه ومع عدم أضداده [52] والرب تعالى إذا كان يحب من عبده أن يسافر للحج ويسافر للجهاد ، فأيهما فعله [53] كان محبوبا له ، لكن لا يمكن في حال واحدة [54] أن يسافر العبد إلى الشرق وإلى الغرب [55] ، بل لا يمكن [56] حصول هذين المحبوبين جميعا في وقت واحد ، فلا يحصل [ ص: 185 ] أحدهما إلا بتفويت الآخر ، فإن كان الحج فرضا معينا ، والجهاد تطوعا [57] ، كان الحج أحبهما إليه [58] ، وإن كان كلاهما تطوعا أو فرضا ، فالجهاد أحبهما إليه ، فهو [ سبحانه ] [59] يحب هذا المحبوب المتضمن تفويت ذلك المحبوب . وذلك [ أنه ] [60] لو قدر وجوده بدون تفويت هذا المحبوب [61] لكان أيضا محبوبا ، ولو قدر وجوده بتفويت ما هو أحب إليه منه لكان محبوبا من وجه مكروها من وجه آخر [62] أعلى منه .
وهو سبحانه إذا لم يقدر طاعة بعض الناس كان له في ذلك حكمة ، كما أنه إذا لم [63] يأمر هذا بأدنى [64] المحبوبين كان له في ذلك حكمة ، والله تعالى على كل شيء قدير . لكن اجتماع الضدين لا يدخل في عموم الأشياء ، فإنه محال لذاته .
وهذا بمنزلة أن يقال : هلا أقدر [65] هذا العبد أن يسافر في هذه الساعة إلى الغرب للحج وإلى [66] الشرق للجهاد ؟
فيقال : لأن [67] كون الجسم الواحد في مكانين محال لذاته [68] ، فلا [ ص: 186 ] يمكن هذان السفران [69] في آن [70] واحد ، وليس هذا بشيء حتى يقال : إنه مقدر ، بل هذا لا حقيقة له ، وليس بشيء ، بل هو أمر يتصوره [71] الذهن كتصوره [72] لنظيره في الخارج ، ليحكم [73] عليه بالامتناع في الخارج ، وإلا فما يمكن الذهن أن يتصور هذا [ في ] [74] الخارج ، ولكن الذهن يتصور [ اجتماع ] [75] اللون والطعم في محل واحد ، كالحلاوة البيضاء [ والبياض ] [76] ، ثم يقدر الذهن في نفسه [77] : هل يمكن أن يجتمع السواد والبياض في محل [ واحد ] [78] ، كاجتماع اللون والطعم [79] ، فيعلم أن هذا الاجتماع ممتنع في الخارج ، ويعلم أنه يمكن أن زيدا قد يكون [80] في الشرق وعمرا في الغرب [81] ، ويقدر في ذهنه : هل يمكن أن يكون زيد نفسه في هذين المكانين ، كما كان هو وعمرو ؟ فيعلم أن هذا ممتنع .
فهذا [82] ونحوه كلام من جعل الإرادة نوعين ويفرق بين أحد نوعيها [ ص: 187 ] وبين المحبة والرضا . وأما من يجعل الجميع نوعا واحدا فهو بين أمرين : إن جعل الحب والرضا من هذا النوع لزمته [83] تلك المحاذير الشنيعة ، وإن جعل الحب والرضا نوعا لا يستلزم الإرادة ، وقال [84] : إنه قد يحب ويرضى ما لا يريده بحال ، وحينئذ فيكون مقصوده بقوله : " لا يريده " [85] أي لا يريد كونه ووجوده ، وإلا فهو عنده يحبه ويرضاه .
فهذا يجعل الإرادة هي المشيئة لأن يخلق . وهذا ، وإن كان اصطلاح طائفة من المنتسبين إلى السنة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي ، فهو خلاف وأحمد [86] استعمال الكتاب والسنة . وحينئذ فيكون النزاع معه لفظيا . . وأحق الناس بالصواب في المنازعات اللفظية من كان لفظه موافقا للفظ القرآن
وقد تبين أن القرآن [87] جعل هذا النوع مرادا ، فلا حاجة إلى إطلاق [88] القول بأن الله يأمر بما لا يريده ، ثم تبين [89] أن الإرادة نوعان ، وأنه يأمر [ بما يشاؤه [90] فيأمر ] [91] بما لا يريد أن يخلقه هو ، ولا يأمر إلا بما يحبه لعباده [92] ويرضاه لهم أن يفعلوه .
[ ص: 188 ] ولو قال رجل [93] : " والله لأفعلن ما أوجب الله علي أو ما يحبه [ الله ] لي [94] إن شاء الله " ولم يفعل ، لم يحنث باتفاق الفقهاء . ولو قال : " والله لأفعلن ما أوجب [95] الله علي إن كان الله يحبه ويرضاه " حنث إن [96] لم يفعله بلا نزاع نعلمه [97] .
وعلى هذا فقد ظهر بطلان حجة ، فإنه إذا قال : كل عاقل ينسب من يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد إلى السفه . قيل له : إذا أمر غيره بأمر لم المكذبين بالقدر [98] يرد أن يفعله له : هل يكون سفيها [99] أم لا ؟
ومن المعلوم باتفاق العقلاء أن من أمر غيره بأمر ، ولم يرد أن يفعل هو ذلك الأمر [100] ولا يعينه عليه ، لم يكن سفيها ، بل أوامر الحكماء والعقلاء [101] كلها من هذا الباب .
والطبيب إذا أمر المريض بشرب الدواء ، لم يكن عليه أن يعاونه على شربه ، والمفتي إذا أمر المستفتي بما يجب عليه ، لم يكن عليه أن يعاونه ، والمشير إذا أمر المستشير بتجارة أو فلاحة [ أو نكاح ] [102] ، لم يكن عليه أن يفعل هو ذلك [103] .
[ ص: 189 ] ومن كان يحب من غيره أن يفعل أمرا فأمره به ، والآمر لا يساعده عليه ، لما في ذلك من المفسدة له ، لم يكن سفيها [104] .
فظهر بطلان ما ذكره هذا وأمثاله من القدرية . وكذلك من نهى غيره عما يريد أن يفعله هو ، لم يلزم أن يكون سفيها ، فإنه [ قد ] [105] يكون مفسدة لذلك مصلحة للناهي . فالمريض الذي يشرب المسهلات إذا نهى ابنه [106] الصغير عن شربها لم يكن سفيها .
والحاوي [107] الذي يريد إمساك الحية إذا نهى ابنه عن إمساكها لم يكن سفيها ، والسابح في البحر إذا نهى العاجز عن السباحة لم يكن سفيها ، والملك الذي خرج لقتال عدوه إذا نهى نساءه عن الخروج معه لم يكن سفيها ، ونظائر هذا لا تحصى [108] .
[ ولو نهى الناهي غيره عن فعل ما يضره فعله نصحا له ، إذ لو كان مصلحة الناهي [109] أن يفعله هو به ؛ حمد على فعله ، وحمد على نصحه ، كما يوجد كثير من الناس ينهون من ينصحونه عن فعل أشياء ، وقد يطلبون فعلها منهم لمصلحتهم .
[ ص: 190 ] لكن المثل المطابق لفعل الرب من كل وجه لا يمكن في حق المخلوق ، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله . وقد سئل بعض الشيوخ عن مثل [110] هذه المسائل فأنشد :
ويقبح من سواك الفعل عندي فتفعله فيحسن منك ذاكا
لكن المقصود أنه يمكن في المخلوق أمر الإنسان بما لا يريد أن [111] يعين عليه المأمور ، ونهيه عما يريد الناهي أن يفعله هو لمصلحته ] [112] .فتبين أن هذا القدري وأمثاله تكلموا بلفظ مجمل . فإذا قالوا : من أمر بما لا يريد كان سفيها ، أوهموا الناس أنه أمر بما لا يريد للمأمور أن يفعله . والله لم يأمر العباد بما لم يرض لهم أن يفعلوه ، [ ولم يحب لهم أن يفعلوه ] [113] ، ولم يرد لهم أن يفعلوه بهذا المعنى ، وإنما أمر بعضهم بما لم يرد هو أن يخلقه لهم بمشيئته و [ لم ] يجعلهم فاعلين له [114] . ومن المعلوم أن الآمر ليس عليه أن يجعل المأمور فاعلا للمأمور به ، بل هذا [115] ممتنع عند القدرية .
وعند غيرهم هو قادر عليه ، لكن له أن يفعله وله ألا يفعله . فعلى قول من يثبت المشيئة دون الحكمة الغائية ، يقول : هذا كسائر [116] الممكنات [ ص: 191 ] إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله ، ومن أثبت الحكمة قال : له في أن لا يحدث هذا حكمة ، كما له في سائر ما لم يحدثه ، وقد يكون في إحداث هذا مفسدة لغير هذا المأمور أعظم من المصلحة الحاصلة له [117] ، وقد يكون في فعل هذا المأمور تفويت مصلحة أعظم من المصلحة الحاصلة له ، والحكيم هو الذي يقدم أعلى [118] المصلحتين ، ويدفع أعظم المفسدتين .
وليس على العباد أن يعلموا تفصيل حكمة الله تعالى ، بل يكفيهم العلم العام والإيمان التام [119] .
ومن جعل الإرادة نوعا واحدا ، وإن كان [ قوله ] [120] مرجوحا ، فهو خير من قول نفاة القدر الذين يجعلون [121] الإرادة والمشيئة والمحبة شيئا واحدا ، وزعموا أنه يكون ما لا يشاؤه [122] [ ويشاء ما لا يكون ] [123] ، وذلك لأنه يقول : السفه إنما يجوز على من يجوز عليه الأغراض ، والأغراض [124] مستلزمة للحاجة إلى الغير وللنقص [125] بدونها ، وذلك على الله ممتنع ، وهي في حق الله مستلزمة للتسلسل وقيام الحوادث به ، وهو ممتنع عند هذا الخصم .
فإذا كانت المعتزلة - والشيعة الموافقون لهم - يسلمون هذه الأصول [ ص: 192 ] انقطعوا ، وذلك ; لأنهم [126] إذا قالوا : يفعل لغرض . قيل لهم : نسبة وجود الغرض [127] وعدمه إليه على السواء ، أو وجود الغرض [128] أولى به . فإن قالوا : هما على السواء ، امتنع مع هذا أن يفعل لما وجوده وعدمه بالنسبة إليه سواء . وهذا معدود من السفهاء فينا ، وهذا هو العبث فينا .
فإن قالوا : فعل لنفع العباد .
قيل : الواحد من الناس إنما ينفع غيره لما له في ذلك من المصلحة في الدين أو الدنيا . أما التذاذه بالإحسان إليه [129] ، كما يوجد في النفوس الكريمة [130] التي إنما تلتذ [131] وتبتهج بالإحسان إلى غيرها ، وهذا مصلحة ومنفعة لها .
وأما دفع ألم الرقة [132] عن نفسه ، فإن الواحد إذا رأى جائعا بردان تألم له فيعطيه ، فيزول الألم عن نفسه . وزوال الألم منفعة [ له ] [133] ومصلحة ، دع ما سوى هذا من رجاء المدح والثناء والمكافأة ، أو الأجر من الله [ تعالى ] [134] فتلك مطالب منفصلة [135] ، ولكن هذان أمران موجودان في نفس الفاعل ، فمن نفع غيره ، وكان [136] وجود النفع وعدمه بالنسبة إليه سواء من [ ص: 193 ] كل وجه ، كان هذا من أسفه السفهاء لو وجد [137] ، فكيف إذا كان ممتنعا ؟ فإنه يمتنع أن يفعل المختار شيئا حتى يترجح عنده ، فيكون أن يفعله أحب إليه من أن لا يفعله ، وترجيح الأحب لذة ومنفعة .
فهؤلاء القدرية الذين يعللون بالغرض [138] هم [139] الذين يذكرون ما يمتنع أن يكون غرضا [140] ، ولا يكون [141] إلا ممتنعا أو سفها ، وإن أثبتوا [142] غرضا قائما به ، لزم أن يكون محلا للحوادث ، وهم يحيلون ذلك . ثم الغرض إن كان لغرض آخر لزم التسلسل ، وهم يحيلونه في الماضي . ولهم في المستقبل قولان . وإن لم يكن لغرض آخر جاز أن يحدث لا لغرض . فهذه الأصول التي اتفقوا عليها - هم والمثبتون للقدر - هي حجة لأولئك عليهم [143] .