وأما ، وإباحة الملاهي كالشطرنج والغناء ، وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر " . قوله : " وإباحة أكل الكلب ، واللواط بالعبيد
فيقال : نقل هذا عن جميع أهل السنة كذب ، وكذلك نقله عن جمهورهم . بل فيه ما قاله بعض المقرين بخلافة الخلفاء الثلاثة ، [ ص: 435 ] وفيه [1] ما هو كذب عليهم لم يقله أحد منهم ، وذلك الذي قاله بعض هؤلاء أنكره جمهورهم فلم يتفقوا على ضلالة .
ثم إن الموجود في الشيعة من الأمور المنكرة الشنيعة [2] المخالفة للكتاب والسنة والإجماع ، أعظم وأشنع [3] مما يوجد في أي طائفة فرضت من طوائف السنة ، فما من طائفة من طوائف السنة [4] يوجد في قولها ما هو [5] ضعيف إلا ويوجد ما هو أضعف منه وأشنع من أقوال الشيعة [6] .
فتبين على كل تقدير أن كل طائفة من أهل السنة خير منهم ، فإن الكذب الذي [7] يوجد فيهم ، والتكذيب بالحق ، وفرط الجهل ، والتصديق بالمحالات ، وقلة العقل ، والغلو في اتباع الأهواء [8] ، والتعلق بالمجهولات لا يوجد مثله في طائفة أخرى .
وأما ما حكاه من إباحة اللواط بالعبيد ، فهو كذب لم يقله أحد من علماء أهل [9] السنة ، وأظنه قصد التشنيع به على ، فإني رأيت من الجهال من يحكي هذا عن مالك . وأصل ذلك ما يحكى عنه في حشوش [ ص: 436 ] النساء مالك [10] ، فإنه لما حكي عن طائفة من أهل المدينة إباحة ذلك ، وحكي عن فيه روايتان ، ظن الجاهل أن أدبار المماليك كذلك . مالك
وهذا من أعظم الغلط على من هو [11] دون ، فكيف على مالك مع جلالة قدره وشرف مذهبه وكمال صيانته عن الفواحش ، وأحكامه بسد الذرائع ، وأنه من أبلغ المذاهب إقامة للحدود ، ونهيا عن المنكرات والبدع مالك [12] .
ولا يختلف مذهب في أن من استحل إتيان المماليك أنه يكفر ، كما أن هذا قول جميع أئمة المسلمين ، فإنهم متفقون على أن استحلال هذا بمنزلة استحلال وطء أمته التي هي بنته من الرضاعة ، أو أخته من الرضاعة ، أو هي موطوءة ابنه أو أبيه ، فكما أن مملوكته إذا كانت محرمة برضاع أو صهر لا تباح له باتفاق المسلمين ، فمملوكه أولى بالتحريم ، فإن هذا الجنس محرم مالك [13] مطلقا لا يباح بعقد نكاح ولا ملك يمين ، بخلاف وطء الإناث .
ولهذا كان مذهب وعلماء مالك المدينة أن اللوطي [14] يقتل رجما ، [ ص: 437 ] محصنا كان أو غير محصن ، سواء تلوط بمملوكه أو غير مملوكه ، فإنه يقتل عندهم الفاعل والمفعول به .
كما في السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " . رواه اقتلوا الفاعل والمفعول به وغيره أبو داود [15] . .
وهذا مذهب في الرواية المنصوصة عنه أحمد [16] . ، وهو أحد قولي . فمن يكن مذهبه أن هذا أشد من الزنا ، كيف يحكى عنه أنه أباح ذلك . وكذلك لم يبحه غيره من العلماء الشافعي [17] بل هم متفقون على تحريم ذلك . ولكن كثيرا من الأشياء يتفقون [18] . على تحريمها ، ويتنازعون في إقامة الحد على فاعلها : هل يحد أو يعزر بما دون الحد كما لو وطئ أمته التي هي ابنته من الرضاعة .
وأما قوله : " وإباحة الملاهي والغناء " . كالشطرنج
فيقال : مذهب جمهور العلماء [19] . أن الشطرنج حرام . وقد ثبت عن [ ص: 438 ] - رضي الله عنه - علي بن أبي طالب [20] . أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج ، فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون [21] . ؟ .
وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وغيره من وابن عمر الصحابة .
وتنازعوا في أيهما أشد [22] . تحريما : الشطرنج أوالنرد ؟ فقال : الشطرنج أشد من النرد . وهذا منقول مالك [23] . عن ، وهذا لأنها تشغل القلب بالفكر الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد . ابن عمر
وقال : أبو حنيفة : النرد أشد ، فإن العوض يدخل فيها أكثر . وأما وأحمد فلم يقل الشافعي [24] . : إن [25] . الشطرنج حلال ، ولكن قال : ولا يتبين لي النرد حرام والشطرنج دونها ، [26] . أنها حرام ، فتوقف في التحريم . ولأصحابه في تحريمها قولان [27] . : فإن كان التحليل هو الراجح فلا ضرر ، [ ص: 439 ] وإن كان التحريم هو الراجح فهو قول جمهور أهل السنة ، فعلى التقديرين لا يخرج الحق عنهم .
قوله : " وإباحة الغناء " .
فيقال له : هذا من الكذب على الأئمة الأربعة ، فإنهم متفقون على تحريم المعازف [28] . التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه ، ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف ، بل يحرم عندهم اتخاذها . وهل يضمن المادة : على قولين [29] . مشهورين لهم ، كما لو أتلف أوعية الخمر ، فإنه لو أتلف ما يقوم به المحرم [30] . من المادة لم يضمنه في أحد قوليهم ، كما هو مذهب ، وأشهر الروايتين عن مالك ، كما أتلف أحمد موسى العجل المتخذ من الذهب [31] . .
وكما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - - أن يحرق الثوبين المعصفرين اللذين كانا عليه عبد الله بن عمرو أمر
[32] [ ص: 440 ] وكما أمرهم عام خيبر بكسر القدور التي كان [33] . فيها لحوم الحمر ، ثم أذن لهم في إراقة [34] . ما فيها [35] . ، فدل على جواز الأمرين .
وكما أمر لما حرمت الخمر بشق الظروف وكسر الدنان [36] . .
وكما أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وعلي بن أبي طالب [37] . أمرا بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر .
ومن لم يجوز ذلك من أصحاب أبي حنيفة والشافعي - في وأحمد
[ ص: 441 ] إحدى الروايتين عنه قالوا : هذه عقوبات مالية وهي منسوخة ، وأولئك يقولون : لم ينسخ ذلك [38] . شيء ، فإن النسخ لا يكون [39] . إلا بنص متأخر عن الأول يعارضه ، ولم يرد شيء من ذلك [40] . ، بل العقوبات المالية كالعقوبات البدنية تستعمل على الوجه المشروع ، بل هي أولى بالاستعمال ، فإن إتلاف الأبدان والأعضاء أعظم من إتلاف الأموال ، فإذا كان جنس الأول مشروعا ، فجنس الثاني بطريق الأولى .
وقد تنازعوا أيضا في القصاص في الأموال : إذا خرق [41] . له ثوبا هل له أن يخرق [42] . نظيره من ثيابه ، فيتلف ماله كما أتلف ماله ، على قولين هما روايتان عن . فمن قال : لا يجوز ذلك قال : لأنه فساد أحمد [43] . ومن قال : يجوز ، قال : إتلاف النفس والطرف أشد فسادا ، وهو جائز على وجه العدل والاقتصاص ، لما فيه من كف العدوان ، [ وشفاء نفس المظلوم ] [44] . . ومن منع قال : النفوس لو لم يشرع فيها القصاص لم تنكف النفوس [45] . فإن القاتل إذا علم أنه لا يقتل بل يؤدي دية ، أقدم [46] . على القتل وأدى [47] . الدية .
[ ص: 442 ] بخلاف الأموال ، فإنه يؤخذ من المتلف نظير ما أتلفه ، فحصل القصاص بذلك الزجر . وأما إتلاف ذلك فضرره [48] . على المتلف عليه ، فإنه يذهب ماله وعوض ماله عليه ، وذلك يقول : بل فيه نوع من [49] . شفاء غيظ المظلوم . وأما إذا تعذر القصاص [50] . منه إلا بإتلاف ماله فهذا [51] . أظهر جوازا ; لأن [52] . القصاص عدل ، وجزاء سيئة سيئة مثلها ، فإذا أتلف ماله ولم يكن الاقتصاص [53] . منه إلا بإتلافه ، جاز ذلك .
ولهذا اتفق العلماء على جواز إتلاف الشجر والزرع الذي للكفار ، إذا فعلوا بنا مثل ذلك ، أو لم يقدر [54] . عليهم إلا به . وفي جوازه بدون ذلك نزاع معروف [55] . وهو روايتان عن . والجواز مذهب أحمد وغيره . الشافعي
[ والمقصود هنا ] [56] . أن آلات اللهو محرمة عند الأئمة الأربعة ، ولم يحك عنهم نزاع في ذلك [57] . ، إلا أن المتأخرين من الخراسانيين من أصحاب ذكروا في النزاع وجهين ، والصحيح التحريم . وأما [ ص: 443 ] العراقيون وقدماء الخراسانيين فلم يذكروا في ذلك نزاعا . الشافعي
وأما فمحرم عند الغناء المجرد أبي حنيفة ، وهو أحد القولين في مذهب ومالك الشافعي ، وعنهما أنه مكروه . وذهبت طائفة من أصحاب وأحمد إلى أن أحمد مباح . فإن كان هذا القول حقا فلا ضرر ، وإن كان باطلا فجمهور أهل السنة على التحريم ، فلم يخرج الحق عن أهل السنة . الغناء المجرد