الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 494 ] الوجه الثالث : منع الحكم في هذا المثال [1] الذي ضربه وجعله أصلا قاس عليه ، فإن الرجل إذا قال له أحد الرجلين : طريقي آمن يوصلني ، وقال له الآخر : لا علم لي بأن طريقي آمن يوصلني ، أو قال ذلك الأول ، لم يحسن في العقل تصديق الأول بمجرد قوله ، بل يجوز عند العقلاء أن يكون هذا [2] محتالا عليه ، يكذب حتى يصحبه في الطريق فيقتله ويأخذ ماله ، ويجوز أن يكون جاهلا [3] لا يعرف ما في الطريق من الخوف ، وأما ذاك الرجل فلم يضمن للسائل شيئا ، بل رده إلى نظره . فالحزم في مثل [4] هذا أن ينظر الرجل أي الطريقين أولى بالسلوك : أحد ذينك [5] الطريقين أو غيرهما [6]

                  ولو كان [7] كل من قال : إن [8] طريقي آمن موصل يكون أولى بالتصديق ممن توقف ، لكان كل مفتر وجاهل يدعي في المسائل المشتبهة أن قولي فيها هو الصواب وأنا قاطع بذلك ، فيكون اتباعي أولى من طريق هؤلاء الذين ينظرون ويستدلون ، وكان ينبغي أن يكون الشيوخ الكذابون الذين يضمنون لمريدهم [9] الجنة ، وأن لهم في الآخرة كذا وكذا ، وأن كل من أحبهم دخل الجنة ، وأن من أعطاهم المال أعطوه [ ص: 495 ] الحال الذي يقربه إلى ذي الجلال أولى بالاتباع من ذوي [10] العلم والصدق والعدل الذين لا يضمنون له إلا ما ضمنه الله ورسوله لمن أطاعه ، وكان أيضا ينبغي أن يكون أئمة الإسماعيلية كالمعز والحاكم وأمثالهما أولى بالاتباع من أئمة الاثني عشرية ; لأن أولئك يدعون من علم الغيب وكشف باطن الشريعة وعلو الدرجة أعظم مما تدعيه الاثنا عشرية لأصحابهم ، ويضمنون له [11] هذا مع استحلال المحرمات وترك الواجبات ، فيقولون له : قد أسقطنا عنك الصلاة والصوم والحج والزكاة ، وضمنا لك بموالاتنا الجنة [ ونحن قاطعون بذلك   ] [12]

                  والاثنا عشرية   يقولون : لا يستحق [13] الجنة حتى يؤدي الواجبات ويترك المحرمات [14] فإن كان اتباع الجازم بمجرد جزمه أولى ، كان اتباع هؤلاء أولى من اتباع من يقول : أنت إذا أذنبت يحتمل أن تعاقب ويحتمل أن يعفى عنك ، فيبقى بين الخوف والرجاء ، ونظائر هذا كثيرة . فتبين أن مجرد الإقدام على الجزم لا يدل على علم صاحبه ولا على صدقه ، وأن التوقف والإمساك حتى يتبين الدليل هو عادة العقلاء .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية