[ ص: 494 ] الوجه الثالث : منع الحكم في هذا المثال [1] الذي ضربه وجعله أصلا قاس عليه ، فإن الرجل إذا قال له أحد الرجلين : طريقي آمن يوصلني ، وقال له الآخر : لا علم لي بأن طريقي آمن يوصلني ، أو قال ذلك الأول ، لم يحسن في العقل تصديق الأول بمجرد قوله ، بل يجوز عند العقلاء أن يكون هذا [2] محتالا عليه ، يكذب حتى يصحبه في الطريق فيقتله ويأخذ ماله ، ويجوز أن يكون جاهلا [3] لا يعرف ما في الطريق من الخوف ، وأما ذاك الرجل فلم يضمن للسائل شيئا ، بل رده إلى نظره . فالحزم في مثل [4] هذا أن ينظر الرجل أي الطريقين أولى بالسلوك : أحد ذينك [5] الطريقين أو غيرهما [6]
ولو كان [7] كل من قال : إن [8] طريقي آمن موصل يكون أولى بالتصديق ممن توقف ، لكان كل مفتر وجاهل يدعي في المسائل المشتبهة أن قولي فيها هو الصواب وأنا قاطع بذلك ، فيكون اتباعي أولى من طريق هؤلاء الذين ينظرون ويستدلون ، وكان ينبغي أن يكون الشيوخ الكذابون الذين يضمنون لمريدهم [9] الجنة ، وأن لهم في الآخرة كذا وكذا ، وأن كل من أحبهم دخل الجنة ، وأن من أعطاهم المال أعطوه [ ص: 495 ] الحال الذي يقربه إلى ذي الجلال أولى بالاتباع من ذوي [10] العلم والصدق والعدل الذين لا يضمنون له إلا ما ضمنه الله ورسوله لمن أطاعه ، وكان أيضا ينبغي أن يكون أئمة الإسماعيلية كالمعز وأمثالهما أولى بالاتباع من أئمة والحاكم الاثني عشرية ; لأن أولئك يدعون من علم الغيب وكشف باطن الشريعة وعلو الدرجة أعظم مما تدعيه الاثنا عشرية لأصحابهم ، ويضمنون له [11] هذا مع استحلال المحرمات وترك الواجبات ، ] فيقولون له : قد أسقطنا عنك الصلاة والصوم والحج والزكاة ، وضمنا لك بموالاتنا الجنة [ ونحن قاطعون بذلك [12]
والاثنا عشرية يقولون : لا يستحق [13] الجنة حتى يؤدي الواجبات ويترك المحرمات [14] فإن كان اتباع الجازم بمجرد جزمه أولى ، كان اتباع هؤلاء أولى من اتباع من يقول : أنت إذا أذنبت يحتمل أن تعاقب ويحتمل أن يعفى عنك ، فيبقى بين الخوف والرجاء ، ونظائر هذا كثيرة . فتبين أن مجرد الإقدام على الجزم لا يدل على علم صاحبه ولا على صدقه ، وأن التوقف والإمساك حتى يتبين الدليل هو عادة العقلاء .