الوجه الثامن [1] : أن يقال : كذب عليهم . والحكايات المنقولة في ذلك فيها ما هو كذب ، وقد علم أن فيهم العدل الزاهد دعوى كون جميع الخلفاء كانوا مشتغلين بما [ ص: 113 ] ذكره من الخمور والفجور [2] كعمر بن عبد العزيز والمهدي بالله [3] ، وأكثرهم لم يكن مظهرا لهذه المنكرات من خلفاء بني أمية ، وبني العباس ، وإن كان أحدهم قد يبتلى ببعض الذنوب ، وقد يكون تاب منها ، وقد يكون له حسنات كثيرة تمحو تلك السيئات ، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه خطاياه [4] . ففي الجملة الملوك حسناتهم كبار وسيئاتهم كبار [5] ، والواحد من هؤلاء وإن كان له ذنوب ومعاص لا تكون لآحاد المؤمنين ، فلهم من الحسنات ما ليس لآحاد المسلمين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود وجهاد العدو وإيصال كثير من الحقوق إلى مستحقيها ومنع كثير من الظلم وإقامة كثير من العدل .
ونحن لا نقول : إنهم كانوا سالمين من ( * المظالم والذنوب ، كما لا نقول : إن أكثر المسلمين كانوا سالمين من * ) [6] ذلك ، لكن نقول : وجود الظلم والمعاصي من بعض المسلمين وولاة أمورهم [7] وعامتهم ، لا يمنع أن يشارك فيما يعمله من طاعة الله .
وأهل السنة لا يأمرون بموافقة ولاة الأمور إلا في طاعة الله لا في [ ص: 114 ] معصيته [8] ، ولا ضرر على من وافق رجلا [9] في طاعة الله إذا انفرد ذلك عنه بمعصية لم يشركه فيها ، كما أن الرجل إذا حج مع الناس ، فوقف معهم وطاف ، لم يضره كون بعض الحجاج له مظالم وذنوب ينفرد بها ، وكذلك إذا شهد مع الناس الجمعة والجماعة ومجالس العلم وغزا معهم ، لم يضره أن يكون [10] بعض المشاركين له في ذلك له ذنوب يختص بها ، فولاة الأمور بمنزلة غيرهم ، يشاركون فيما يفعلونه من طاعة الله ، ولا يشاركون فيما يفعلونه من معصية الله .
وهذه كانت سيرة أئمة [11] أهل البيت مع غيرهم ، فمن اتبعهم في ذلك فهو المقتدي بهم ، دون من تبرأ من السابقين الأولين ، وجمهور أهل العلم والدين ، وظاهر على عدواتهم الكفار والمنافقين ، كما يفعله من يفعله من الرافضة الضالين .