الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثامن [1] : أن يقال : دعوى كون جميع الخلفاء كانوا مشتغلين بما [ ص: 113 ] ذكره من الخمور والفجور كذب عليهم . والحكايات المنقولة في ذلك فيها ما هو كذب ، وقد علم أن فيهم العدل الزاهد [2] كعمر بن عبد العزيز والمهدي بالله [3] ، وأكثرهم لم يكن مظهرا لهذه المنكرات من خلفاء بني أمية ، وبني العباس ، وإن كان أحدهم قد يبتلى ببعض الذنوب ، وقد يكون تاب منها ، وقد يكون له حسنات كثيرة تمحو تلك السيئات ، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه خطاياه [4] . ففي الجملة الملوك حسناتهم كبار وسيئاتهم كبار [5] ، والواحد من هؤلاء وإن كان له ذنوب ومعاص لا تكون لآحاد المؤمنين ، فلهم من الحسنات ما ليس لآحاد المسلمين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود وجهاد العدو وإيصال كثير من الحقوق إلى مستحقيها ومنع كثير من الظلم وإقامة كثير من العدل .

                  ونحن لا نقول : إنهم كانوا سالمين من ( * المظالم والذنوب ، كما لا نقول : إن أكثر المسلمين كانوا سالمين من * ) [6] ذلك ، لكن نقول : وجود الظلم والمعاصي من بعض المسلمين وولاة أمورهم [7] وعامتهم ، لا يمنع أن يشارك فيما يعمله من طاعة الله .

                  وأهل السنة لا يأمرون بموافقة ولاة الأمور إلا في طاعة الله لا في [ ص: 114 ] معصيته [8] ، ولا ضرر على من وافق رجلا [9] في طاعة الله إذا انفرد ذلك عنه بمعصية لم يشركه فيها ، كما أن الرجل إذا حج مع الناس ، فوقف معهم وطاف ، لم يضره كون بعض الحجاج له مظالم وذنوب ينفرد بها ، وكذلك إذا شهد مع الناس الجمعة والجماعة ومجالس العلم وغزا معهم ، لم يضره أن يكون [10] بعض المشاركين له في ذلك له ذنوب يختص بها ، فولاة الأمور بمنزلة غيرهم ، يشاركون فيما يفعلونه من طاعة الله ، ولا يشاركون فيما يفعلونه من معصية الله .

                  وهذه كانت سيرة أئمة [11] أهل البيت مع غيرهم ، فمن اتبعهم في ذلك فهو المقتدي بهم ، دون من تبرأ من السابقين الأولين ، وجمهور أهل العلم والدين ، وظاهر على عدواتهم الكفار والمنافقين ، كما يفعله من يفعله من الرافضة الضالين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية