الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه السادس : قولهم : إنهم رووا جميعا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " علي مع الحق ، والحق معه يدور [1] حيث دار ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض " من أعظم الكلام كذبا وجهلا ، فإن هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا بإسناد صحيح ولا [ ص: 239 ] ضعيف [2] . فكيف يقال : إنهم جميعا رووا هذا الحديث ؟ وهل يكون أكذب ممن يروى عن الصحابة والعلماء [3] أنهم رووا حديثا ، والحديث لا يعرف عن واحد [4] منهم أصلا ؟ بل هذا من أظهر الكذب . ولو قيل : رواه بعضهم ، وكان يمكن صحته لكان ممكنا ، فكيف [5] وهو كذب قطعا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! .

                  بخلاف إخباره أن أم أيمن في الجنة ، فهذا يمكن أنه قاله ، فإن أم أيمن امرأة صالحة من المهاجرات ، فإخباره أنها في الجنة لا ينكر ، بخلاف قوله عن رجل من أصحابه [6] أنه مع الحق [ وأن الحق ] [7] يدور معه حيثما دار [8] لن [9] يفترقا حتى يردا علي الحوض ؛ فإنه كلام ينزه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                  أما أولا : فلأن الحوض إنما يرده [10] عليه أشخاص ، كما قال للأنصار : [ ص: 240 ] " اصبروا حتى تلقوني على الحوض " [11] وقال : " إن حوضي لأبعد ما [12] بين أيلة إلى عدن ، وإن أول الناس ورودا فقراء المهاجرين الشعث رءوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب [13] السدد ، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يجد لها قضاء " رواه مسلم وغيره [14] .

                  وأما الحق فليس من الأشخاص الذين يردون الحوض . وقد روي [ أنه قال ] [15] : " إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن [16] [ ص: 241 ] يفترقا حتى يردا علي الحوض [17] " . فهو من هذا النمط ، وفيه كلام يذكر في موضعه [ إن شاء الله ] [18] .

                  ولو صح هذا لكان المراد به ثواب القرآن . أما الحق الذي يدور مع شخص [19] ويدور الشخص معه فهو صفة لذلك الشخص لا يتعداه . ومعنى ذلك أن قوله صدق وعمله صالح ، ليس المراد به أن غيره لا يكون [20] معه شيء من الحق .

                  وأيضا فالحق لا يدور مع شخص غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو دار الحق مع علي حيثما دار لوجب أن يكون معصوما كالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهم من جهلهم يدعون ذلك ، ولكن من علم أنه لم يكن بأولى بالعصمة من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم [21] ، وليس فيهم من هو معصوم ، علم كذبهم ، وفتاويه من جنس فتاوي عمر وعثمان [22] ليس هو أولى بالصواب منهم ، ولا في أقوالهم من الأقوال المرجوحة أكثر مما في قوله [23] ، ولا كان ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضاه عنه بأعظم من ثنائه عليهم [ ص: 242 ] ورضائه عنهم [24] ، بل لو قال القائل : إنه لا يعرف من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عتب على عثمان في شيء ، وقد عتب على علي في غير موضع لما أبعد ، فإنه لما أراد أن يتزوج بنت [25] . [26] اشتكته [27] فاطمة لأبيها وقالت : إن الناس يقولون إنك لا تغضب لبناتك ، فقام [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] [28] خطيبا وقال : " إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم ، فإنما فاطمة بضعة مني [ يريبني ما رابها ] [29] ويؤذيني ما آذاها " ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فقال : " حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي " والحديث [30] ثابت صحيح أخرجناه في الصحيحين .

                  وكذلك في الصحيحين [31] لما طرقه وفاطمة ليلا ، فقال : " ألا تصليان ؟ " فقال له علي : إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانطلق وهو يضرب فخذه ويقول : " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " [32] .

                  وأما الفتاوي فقد أفتى بأن [33] المتوفى عنها زوجها وهي حامل [34] تعتد [ ص: 243 ] أبعد الأجلين ، وهذه الفتيا كان قد أفتى بها أبو السنابل بن بعكك على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " كذب أبو السنابل " [35] وأمثال ذلك كثير . ثم بكل حال فلا يجوز أن يحكم بشهادته وحده ، كما لا يجوز له أن يحكم لنفسه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية