الوجه السادس : قولهم : إنهم رووا جميعا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " علي مع الحق ، والحق معه يدور [1] حيث دار ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض " من أعظم الكلام كذبا وجهلا ، فإن هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا بإسناد صحيح ولا [ ص: 239 ] ضعيف [2] . فكيف يقال : إنهم جميعا رووا هذا الحديث ؟ وهل يكون أكذب ممن يروى عن الصحابة والعلماء [3] أنهم رووا حديثا ، والحديث لا يعرف عن واحد [4] منهم أصلا ؟ بل هذا من أظهر الكذب . ولو قيل : رواه بعضهم ، وكان يمكن صحته لكان ممكنا ، فكيف [5] وهو كذب قطعا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! .
بخلاف إخباره أن أم أيمن في الجنة ، فهذا يمكن أنه قاله ، فإن أم أيمن امرأة صالحة من المهاجرات ، فإخباره أنها في الجنة لا ينكر ، بخلاف قوله عن رجل من أصحابه [6] أنه مع الحق [ وأن الحق ] [7] يدور معه حيثما دار [8] لن [9] يفترقا حتى يردا علي الحوض ؛ فإنه كلام ينزه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أما أولا : فلأن الحوض إنما يرده [10] عليه أشخاص ، كما قال للأنصار : [ ص: 240 ] " اصبروا حتى تلقوني على الحوض " [11] وقال : " إن حوضي لأبعد ما [12] بين أيلة إلى عدن ، وإن أول الناس ورودا فقراء المهاجرين الشعث رءوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب [13] السدد ، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يجد لها قضاء " رواه مسلم وغيره [14] .
وأما الحق فليس من الأشخاص الذين يردون الحوض . وقد روي [ أنه قال ] [15] : " إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن [16] [ ص: 241 ] يفترقا حتى يردا علي الحوض [17] " . فهو من هذا النمط ، وفيه كلام يذكر في موضعه [ إن شاء الله ] [18] .
ولو صح هذا لكان المراد به ثواب القرآن . أما الحق الذي يدور مع شخص [19] ويدور الشخص معه فهو صفة لذلك الشخص لا يتعداه . ومعنى ذلك أن قوله صدق وعمله صالح ، ليس المراد به أن غيره لا يكون [20] معه شيء من الحق .
وأيضا فالحق لا يدور مع شخص غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو دار الحق مع علي حيثما دار لوجب أن يكون معصوما كالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهم من جهلهم يدعون ذلك ، ولكن من علم أنه لم يكن بأولى بالعصمة من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم [21] ، وليس فيهم من هو معصوم ، علم كذبهم ، وفتاويه من جنس فتاوي عمر وعثمان [22] ليس هو أولى بالصواب منهم ، ولا في أقوالهم من الأقوال المرجوحة أكثر مما في قوله [23] ، ولا كان ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضاه عنه بأعظم من ثنائه عليهم [ ص: 242 ] ورضائه عنهم [24] ، بل لو قال القائل : إنه لا يعرف من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عتب على عثمان في شيء ، وقد عتب على علي في غير موضع لما أبعد ، فإنه لما أراد أن يتزوج بنت [25] . [26] اشتكته [27] فاطمة لأبيها وقالت : إن الناس يقولون إنك لا تغضب لبناتك ، فقام [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] [28] خطيبا وقال : " إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم ، فإنما فاطمة بضعة مني [ يريبني ما رابها ] [29] ويؤذيني ما آذاها " ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فقال : " حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي " والحديث [30] ثابت صحيح أخرجناه في الصحيحين .
وكذلك في الصحيحين [31] لما طرقه وفاطمة ليلا ، فقال : " ألا تصليان ؟ " فقال له علي : إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانطلق وهو يضرب فخذه ويقول : " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " [32] .
وأما الفتاوي فقد أفتى بأن [33] المتوفى عنها زوجها وهي حامل [34] تعتد [ ص: 243 ] أبعد الأجلين ، وهذه الفتيا كان قد أفتى بها أبو السنابل بن بعكك على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " كذب أبو السنابل " [35] وأمثال ذلك كثير . ثم بكل حال فلا يجوز أن يحكم بشهادته وحده ، كما لا يجوز له أن يحكم لنفسه .


