الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثامن [1] : أن قوله : " لو كان هذا الخبر صحيحا حقا لما جاز له ترك [2] البغلة والسيف والعمامة عند علي والحكم له بها [3] لما ادعاها العباس " .

                  فيقال : ومن نقل [4] أن أبا بكر وعمر حكما بذلك لأحد ، أو تركا ذلك [ ص: 259 ] عند أحد ، على أن ذلك ملك له [5] ، فهذا من أبين الكذب عليهما ، بل غاية ما في هذا [6] أن يترك عند من يترك \ عنده ، كما تركا صدقته [7] عند علي والعباس ليصرفاها [8] في مصارفها الشرعية .

                  وأما قوله : " ولكان أهل البيت الذين طهرهم الله في كتابه مرتكبين ما لا يجوز " .

                  فيقال له : أولا إن الله تعالى لم يخبر أنه طهر جميع أهل البيت وأذهب عنهم الرجس ، فإن هذا كذب على الله . كيف ونحن نعلم أن في [9] بني هاشم من ليس بمطهر من الذنوب ، ولا أذهب عنهم الرجس ، لا سيما عند الرافضة ، فإن [10] عندهم كل من كان من بني هاشم يحب أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فليس [11] بمطهر ، والآية [12] إنما قال فيها : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) [ سورة الأحزاب : 33 ] . وقد تقدم أن هذا مثل قوله : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) [ سورة المائدة : 6 ] [ ص: 260 ] وقوله : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ) [ سورة النساء : 26 ] ، ونحو ذلك مما فيه بيان أن الله يحب ذلك لكم ويرضاه لكم ويأمركم به ، فمن فعله حصل له هذا المراد المحبوب المرضي [13] ، ومن لم يفعله لم يحصل له ذلك .

                  وقد بسط هذا في غير هذا الموضع ، وبين أن هذا ألزم [14] لهؤلاء الرافضة القدرية ; فإن عندهم [ أن ] [15] إرادة الله بمعنى أمره ، لا بمعنى أنه يفعل ما أراد ، فلا يلزم إذا أراد الله تطهير أحد أن يكون ذلك قد تطهر ، ولا يجوز عندهم أن يطهر الله أحدا [16] ، [ بل من أراد الله تطهيره ، فإن شاء طهر نفسه ، وإن شاء لم يطهرها ] [17] ، ولا يقدر الله عندهم على تطهير أحد .

                  وأما قوله : " لأن [18] الصدقة محرمة عليهم " .

                  فيقال له [19] : أولا المحرم عليهم صدقة الفرض ، وأما صدقات [20] التطوع فقد كانوا يشربون من المياه المسبلة بين مكة والمدينة ، ويقولون : إنما حرم علينا الفرض ، ولم يحرم علينا التطوع . وإذا جاز أن ينتفعوا بصدقات الأجانب التي هي تطوع ، فانتفاعهم بصدقة النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى وأحرى ; فإن هذه الأموال لم تكن زكاة مفروضة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي أوساخ الناس التي حرمت عليهم [21] [ ص: 261 ] وإنما هي من الفيء الذي أفاءه الله على رسوله ، والفيء حلال لهم ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ما جعله الله له من الفيء صدقة ، إذ غايته [22] أن يكون ملكا للنبي - صلى الله عليه وسلم - تصدق به على المسلمين ، وأهل بيته أحق بصدقته ; فإن الصدقة [ على المسلمين صدقة ، والصدقة ] [23] على القرابة صدقة وصلة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية