الوجه الثامن [1] : أن قوله : " لو كان هذا الخبر صحيحا حقا لما جاز له ترك [2] البغلة والسيف والعمامة عند والحكم له بها علي [3] لما ادعاها العباس " .
فيقال : ومن نقل [4] أن أبا بكر حكما بذلك لأحد ، أو تركا ذلك [ ص: 259 ] عند أحد ، على أن ذلك ملك له وعمر [5] ، فهذا من أبين الكذب عليهما ، بل غاية ما في هذا [6] أن يترك عند من يترك \ عنده ، كما تركا صدقته [7] عند علي ليصرفاها والعباس [8] في مصارفها الشرعية .
وأما قوله : " ولكان أهل البيت الذين طهرهم الله في كتابه مرتكبين ما لا يجوز " .
فيقال له : أولا إن الله تعالى لم يخبر أنه طهر جميع أهل البيت وأذهب عنهم الرجس ، فإن هذا كذب على الله . كيف ونحن نعلم أن في [9] بني هاشم من ليس بمطهر من الذنوب ، ولا أذهب عنهم الرجس ، لا سيما عند الرافضة ، فإن [10] عندهم كل من كان من بني هاشم يحب أبا بكر - رضي الله عنهما - فليس وعمر [11] بمطهر ، والآية [12] إنما قال فيها : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) [ سورة الأحزاب : 33 ] . وقد تقدم أن هذا مثل قوله : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) [ سورة المائدة : 6 ] [ ص: 260 ] وقوله : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ) [ سورة النساء : 26 ] ، ونحو ذلك مما فيه بيان أن الله يحب ذلك لكم ويرضاه لكم ويأمركم به ، فمن فعله حصل له هذا المراد المحبوب المرضي [13] ، ومن لم يفعله لم يحصل له ذلك .
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع ، وبين أن هذا ألزم [14] لهؤلاء الرافضة القدرية ; فإن عندهم [ أن ] [15] إرادة الله بمعنى أمره ، لا بمعنى أنه يفعل ما أراد ، فلا يلزم إذا أراد الله تطهير أحد أن يكون ذلك قد تطهر ، ولا يجوز عندهم أن يطهر الله أحدا [16] ، [ بل من أراد الله تطهيره ، فإن شاء طهر نفسه ، وإن شاء لم يطهرها ] [17] ، ولا يقدر الله عندهم على تطهير أحد .
وأما قوله : " لأن [18] الصدقة محرمة عليهم " .
فيقال له [19] : أولا ، وأما صدقات المحرم عليهم صدقة الفرض [20] التطوع فقد كانوا يشربون من المياه المسبلة بين مكة والمدينة ، ويقولون : إنما حرم علينا الفرض ، ولم يحرم علينا التطوع . وإذا جاز أن ينتفعوا بصدقات الأجانب التي هي تطوع ، فانتفاعهم بصدقة النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى وأحرى ; فإن هذه الأموال لم تكن زكاة مفروضة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي أوساخ الناس التي حرمت عليهم [21] [ ص: 261 ] وإنما هي من الفيء الذي أفاءه الله على رسوله ، والفيء حلال لهم ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ما جعله الله له من الفيء صدقة ، إذ غايته [22] أن يكون ملكا للنبي - صلى الله عليه وسلم - تصدق به على المسلمين ، وأهل بيته أحق بصدقته ; فإن الصدقة [ على المسلمين صدقة ، والصدقة ] [23] على القرابة صدقة وصلة .