الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل ) ر ، ه ، ص : الفصل الخامس والعشرون .

                  قال الرافضي [1] : " وأعظموا أمر عائشة على باقي نسوانه ، مع أنه - عليه السلام - [2]

                  كان يكثر من ذكر خديجة بنت خويلد ، وقالت له عائشة : إنك تكثر [ من ] [3]

                  ذكرها ، وقد أبدلك الله خيرا منها . فقال : والله ما بدلت بها ما هو خير منها ك : أبدلت بها من هو خير منها .

                  صدقتني إذ كذبني الناس ، وآوتني إذ طردني الناس ، وأسعدتني بمالها ، ورزقني الله الولد منها ، ولم أرزق من غيرها
                  ) .

                  والجواب أولا أولا : ساقطة من ( ب ) ، ( ص ) .

                  : أن يقال : إن أهل السنة ليسوا مجمعين على أن عائشة [ ص: 302 ] أفضل نسائه ، بل قد ذهب إلى ذلك كثير من أهل السنة ، واحتجوا بما في الصحيحين عن أبي موسى وعن أنس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " [4]

                  والثريد هو أفضل الأطعمة لأنه خبز ولحم ، كما قال الشاعر :

                  إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد

                  .

                  وذلك أن البر أفضل الأقوات ، واللحم أفضل الإدام [5]

                  ، كما في الحديث الذي رواه ابن قتيبة وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " سيد إدام [ أهل ] أهل : ساقطة من ( ن ) ، ( م ) .

                  الدنيا والآخرة اللحم
                  " [6]

                  فإذا كان اللحم سيد [ ص: 303 ] الإدام ، والبر سيد الأقوات ، ومجموعهما الثريد ، كان الثريد أفضل الطعام . وقد صح من غير وجه عن الصادق المصدوق أنه قال : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .

                  وفي الصحيح عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله ، أي الناس [7]

                  أحب إليك ؟ قال : " عائشة " قلت : [8]

                  الرجال ؟ قال : " أبوها " قلت : ثم من ؟ قال : " عمر " وسمى رجالا


                  [9]

                  وهؤلاء يقولون : قوله لخديجة : " ما أبدلني الله بخير منها " [10]

                  : إن صح معناه : [ ما ] [11]

                  أبدلني بخير [12]

                  لي منها ; لأن [13]

                  خديجة نفعته في أول الإسلام نفعا لم يقم غيرها فيه مقامها ، فكانت خيرا له من هذا الوجه ، لكونها نفعته وقت الحاجة ، لكن عائشة [14]

                  صحبته في آخر النبوة وكمال الدين ، فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا [ ص: 304 ] أول زمن [15] النبوة ، فكانت أفضل بهذه

                  [16] الزيادة ، فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها ، وبلغت من العلم والسنة [17]

                  ما لم يبلغه غيرها ، فخديجة كان خيرها مقصورا على نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تبلغ عنه شيئا ، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة ، ولا كان الدين قد كمل أ

                  [18] حتى تعلمه ويحصل لها من كمال الإيمان به ما حصل لمن علمه وآمن به [19] .

                  بعد كماله ، ومعلوم أن من اجتمع همه على شيء واحد كان أبلغ فيه ممن تفرق همه في أعمال متنوعة ; فخديجة - رضي الله تعالى عنها - خير له من هذا الوجه ، ولكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك . ألا ترى أن من كان من الصحابة [20]

                  [ أعظم إيمانا وأكثر جهادا بنفسه وماله ، كحمزة وعلي وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وغيرهم - هم أفضل ممن كان يخدم النبي ] [21]

                  صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر منهم ، كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما .

                  وفي الجملة الكلام في تفضيل عائشة وخديجة ليس هذا موضع استقصائه . لكن المقصود هنا أن أهل السنة مجمعون على تعظيم [22]

                  عائشة ومحبتها ، وأن نساءه أمهات المؤمنين اللاتي [23] مات عنهن كانت [ ص: 305 ] عائشة أحبهن إليه وأعلمهن [24]

                  وأعظمهن حرمة عند المسلمين .

                  وقد ثبت في الصحيح أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة [25]

                  ، لما يعلمون من حبه [26]

                  إياها ، حتى إن نساءه غرن من ذلك ، وأرسلن إليه فاطمة - رضي الله عنها - فقلن له [27]

                  : نسألك العدل [28]

                  في ابنة أبي قحافة . فقال لفاطمة : " أي بنية : [29] .

                  تحبين ما أحب ؟ " قالت : بلى . قال : " فأحبي هذه " الحديث وهو في الصحيحين [30] .

                  .

                  * وفي الصحيحين أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا [ ص: 306 ] عائش [31]

                  هذا جبريل يقرأ عليك السلام " فقالت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته [32]

                  ، ترى ما لا نرى *
                  [33]

                  [34] " ولما أراد فراق سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة - رضي الله عنها - بإذنه - صلى الله عليه وسلم - [35] ، وكان في مرضه الذي مات فيه يقول : " أين أنا اليوم

                  [36] ؟ " استبطاء ليوم عائشة ، ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنها - فمرض فيه ، وفي بيتها توفي بين سحرها ونحرها وفي حجرها [37]

                  ، وجمع الله [38]

                  بين ريقه [ ص: 307 ] وريقها [39] .

                  وكانت - رضي الله عنها - مباركة على أمته ، حتى قال أسيد بن حضير لما أنزل الله آية التيمم بسببها : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ، ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين بركة [40]

                  .

                  [ ص: 308 ] وكان قد نزلت

                  [41] آيات

                  [42] براءتها قبل ذلك لما رماها أهل الإفك ، فبرأها الله من فوق سبع سماوات ، وجعلها من الطيبات [43]

                  .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية