ويقال : ثالثا : هب أن واحدا من الصحابة : أو غيرها قال في ذلك عائشة
[1] على وجه الغضب ، لإنكاره بعض ما ينكر ، فليس قوله حجة ، ولا يقدح ذلك لا في إيمان
[2] القائل ولا المقول له ، بل قد يكون كلاهما وليا لله تعالى من أهل الجنة ، ويظن أحدهما جواز قتل الآخر ، بل يظن كفره ، وهو مخطئ في هذا الظن .
كما [ ثبت ]
[3] في الصحيحين عن وغيره في علي حاطب بن أبي بلتعة ، وكان من أهل قصة بدر والحديبية . وقد ثبت في الصحيح أن غلامه النار . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كذبت ، إنه قد حاطب
[4] شهد بدرا والحديبية " قال : يا رسول الله ، والله ليدخلن
[5] . وفي حديث علي كتب إلى المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد غزوة الفتح فأطلع الله نبيه على ذلك ، فقال حاطبا لعلي : " اذهبا حتى تأتيا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب " . فلما [ ص: 331 ] أتيا بالكتاب ، قال : " ما هذا يا والزبير ؟ " فقال : والله يا رسول الله ما فعلت هذا ارتدادا ولا رضا بالكفر ، ولكن كنت امرأ ملصقا في حاطب قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم بمكة قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي . فقال - رضي الله عنه - : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : " إنه شهد عمر بدرا ، وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وأنزل الله تعالى أول سورة الممتحنة ( أن ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) [ سورة الممتحنة : 1 ] [6] وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها ، وهي متواترة عندهم ، معروفة عند علماء التفسير ، وعلماء الحديث
[7] وعلماء المغازي والسير والتواريخ ، وعلماء الفقه ، وغير هؤلاء . وكان - رضي الله عنه - يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة ، وروى عنه كاتبه علي عبد الله بن أبي رافع ليبين [ لهم ]
[8] أن السابقين مغفور لهم ، ولو جرى منهم
[9] ما جرى .
فإن عثمان وعليا وطلحة
[10] أفضل باتفاق المسلمين من والزبير ، وكان حاطب [ ص: 332 ] بن أبي بلتعة مسيئا إلى مماليكه ، وكان ذنبه في مكاتبة المشركين حاطب
[11] وإعانتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أعظم من الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء ، ومع هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتله ، وكذب من قال : إنه يدخل النار ، لأنه شهد بدرا والحديبية ، وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر . ومع هذا فقد قال
[12] - رضي الله عنه - : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فسماه منافقا ، واستحل قتله ، ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ، ولا في كونه من أهل الجنة . عمر
وكذلك في الصحيحين [ وغيرهما ]
[13] في حديث الإفك لما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا على المنبر يعتذر من رأس المنافقين عبد الله بن أبي فقال : "
[14] بلغني أذاه في أهلي . والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا " من يعذرني من رجل [ قد ]
[15] . فقام سيد سعد بن معاذ الأوس ، وهو الذي اهتز لموته عرش الرحمن ، وهو الذي كان لا تأخذه في الله لومة لائم ، بل حكم في حلفائه من بني قريظة بأن يقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم ، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة
[16] . الأوس
[17] ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج
[18] أمرتنا ففعلنا فيه أمرك . فقام فقال : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله . فقام سعد بن عبادة ، فقال : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين . وكادت تثور فتنة بين أسيد بن حضير الأوس والخزرج ، حتى نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخفضهم فقال : يا رسول الله نحن نعذرك منه . إن كان من إخواننا من [ ص: 333 ]
[19] .
وهؤلاء الثلاثة من خيار السابقين الأولين ، وقد قال أسيد بن حضير : " إنك منافق تجادل عن المنافقين " وهذا مؤمن ولي لله من أهل الجنة ، وذاك مؤمن ولي لله لسعد بن عبادة
[20] من أهل الجنة ; فدل على أن الرجل قد يكفر آخر
[21] بالتأويل ، ولا يكون واحد منهما كافرا .
[ ص: 334 ] وكذلك في الصحيحين حديث عتبان بن مالك مالك بن الدخشم
[22] ، وودوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليه فيهلك ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته
[23] وقال : " أليس يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ؟ " قالوا : [ بلى ] وإنه يقول
[24] ذلك ، وما هو في قلبه . فقال : " لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه " لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - منزله في نفر من أصحابه ، فقام يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم ، ثم أسندوا عظم ذلك إلى
[25] .
وإذا كان ذلك
[26] فإذا ثبت أن شخصا من الصحابة : إما ، وإما [ ص: 335 ] عائشة ، وإما غيرهما : كفر آخر من الصحابة : عمار بن ياسر أو غيره ، * أو أباح قتله على وجه التأويل - كان هذا من باب التأويل المذكور ، ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ، ولا في كونه من أهل الجنة ; فإن عثمان وغيره * عثمان [27] أفضل من ، حاطب بن أبي بلتعة أفضل من وعمر عمار وغيرهما ، وذنب وعائشة أعظم حاطب
[28] ، فإذا غفر ذنبه ، فالمغفرة لحاطب أولى ، وإذا جاز أن يجتهد مثل لعثمان عمر في التكفير أو استحلال القتل ، ولا يكون ذلك مطابقا ، فصدور مثل ذلك من وأسيد بن حضير عائشة
[29] أولى . وعمار