الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 427 ] فصل .

                  وأما قول الرافضي : " وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة

                  [1] واحدة من الوحي " .

                  * فهذا قول بلا حجة ولا علم [2] ، فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة

                  [3] واحدة من الوحي *

                  [4] ، وإنما كان يكتب له رسائل ؟ .

                  وقوله : " إن كتاب الوحي كانوا بضعة عشر أخصهم وأقربهم إليه علي " .

                  فلا ريب [5] أن عليا كان ممن يكتب له أيضا ، كما كتب الصلح بينه وبين المشركين عام الحديبية . ولكن كان يكتب له أبو بكر وعمر أيضا ، ويكتب له زيد بن ثابت [ بلا ريب ]

                  [6] .

                  ففي الصحيحين أن زيد بن ثابت لما نزلت : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) سورة النساء كتبها [ له ]

                  [7] . وكتب له أبو بكر ، وعمر ، [ ص: 428 ] وعثمان ، وعلي ، وعامر بن فهيرة ، وعبد الله بن الأرقم

                  [8] ، وأبي بن كعب ، وثابت بن قيس ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وحنظلة بن الربيع الأسدي ، وزيد بن ثابت ، ومعاوية ، وشرحبيل بن حسنة - رضي الله عنهم - [9] .

                  وأما قوله : " إن معاوية لم يزل مشركا مدة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - مبعوثا " .

                  فيقال : لا ريب أن معاوية [10] وأباه وأخاه وغيرهم أسلموا عام فتح مكة ، قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو من ثلاث سنين ، فكيف يكون مشركا مدة المبعث

                  [11] . ومعاوية - رضي الله عنه - كان حين بعث

                  [12] النبي - صلى الله عليه وسلم - صغيرا ، كانت هند ترقصه . ومعاوية - رضي الله عنه - أسلم مع مسلمة الفتح ، مثل أخيه [ يزيد ، وسهيل بن عمرو ، ]

                  [13] وصفوان [ بن أمية ]

                  [14] ، وعكرمة [ بن أبي جهل ] ، وأبي سفيان [ بن حرب ] ، [ ص: 429 ] وهؤلاء

                  [15] كانوا قبل إسلامهم أعظم كفرا ومحاربة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من معاوية .

                  فصفوان وعكرمة وأبو سفيان كانوا مقدمين للكفار يوم أحد ، رءوس الأحزاب في غزوة الخندق ، ومع هذا كان أبو سفيان وصفوان

                  [16] وعكرمة من أحسن الناس إسلاما ، واستشهدوا - رضي الله عنهم - يوم اليرموك .

                  ومعاوية لم يعرف عنه

                  [17] قبل الإسلام أذى للنبي - صلى الله عليه وسلم -

                  [18] لا بيد ولا بلسان ، فإذا كان من هو أعظم معاداة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من معاوية قد حسن إسلامه ، وصار ممن يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فما المانع أن يكون معاوية - رضي الله عنه - كذلك ؟ .

                  وكان من أحسن الناس سيرة في ولايته ، وهو ممن حسن إسلامه ، ولولا محاربته لعلي - رضي الله عنه - وتوليه الملك ، لم يذكره أحد إلا بخير ، كما لم يذكر أمثاله

                  [19] إلا بخير . وهؤلاء مسلمة الفتح - معاوية ونحوه - قد شهدوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة غزوات ، كغزاة حنين والطائف وتبوك ، فله من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ما لأمثاله ، فكيف يكون هؤلاء كفارا وقد صاروا مؤمنين مجاهدين تمام سنة ثمان وتسع وعشر ، وبعض سنة إحدى عشرة ؟ .

                  [ ص: 430 ] فإن مكة فتحت باتفاق الناس في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق الناس توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ، والناس كلهم كانوا كفارا قبل إيمانهم بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان فيهم من هو أشد عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - [ من معاوية ]

                  [20] وأسلم وحسن إسلامه ، كأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أشد الناس بغضا للنبي - صلى الله عليه وسلم - [21] وهجاء له قبل الإسلام .

                  وأما معاوية - رضي الله عنه - فكان أبوه شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك أمه حتى أسلمت ، فقالت : " والله يا رسول الله ما كان على وجه

                  [22] الأرض أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك
                  " أخرجه البخاري

                  [23] .

                  وفيهم أنزل الله تعالى : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم سورة الممتحنة . فإن الله جعل بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين الذي عادوه ، كأبي سفيان وهند وغيرهما ، مودة ، والله قدير على تبديل العداوة بالمودة ، وهو غفور لهم بتوبتهم من الشرك ، رحيم بالمؤمنين ، وقد صاروا من المؤمنين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية