[1] باليمن يطعن على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكتب إلى أبيه صخر بن حرب يعيره بإسلامه ، وكتب إليه الأبيات " . قوله : " كان
فهذا من الكذب المعلوم ; فإن إنما كان معاوية بمكة ، لم يكن باليمن ، وأبوه مكة بمر الظهران ليلة نزل بها ، وقال له : إن العباس يحب الشرف . فقال [ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] أبا سفيان
[2] : " فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن أبي سفيان من دخل دار " أسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم -
[3] .
كان عنده من دلائل النبوة ما أخبره به وأبو سفيان [4] هرقل ملك الروم ، لما سافر إلى الشام في الهدنة التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينهم
[5] ، وما كان عنده [6] من أمية بن أبي الصلت ، لكن الحسد منعه من [ ص: 435 ] الإيمان ، حتى أدخله الله عليه وهو كاره ، بخلاف فإنه لم يعرف عنه شيء من ذلك ، ولا عن أخيه معاوية يزيد .
قطعا معاوية ; فإنه قال فيه : وهذا الشعر كذب على
فالموت أهون من قول الوشاة لنا خلي ابن هند عن العزى لقد فرقا
.ومعلوم أنه مكة أسلم الناس وأزيلت العزى : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها ، فجعل يقول : يا عز خالد بن الوليد
[7] كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك . بعد فتح
وكانت قريبا من عرفات ، فلم يبق هناك لا عزى ولا من يلومهم على ترك العزى . فعلم أن هذا من . معاوية وهو كذاب وضع بعض الكذابين على لسان
[8] جاهل لم يعلم
[9] كيف وقع الأمر .
وكذلك ما ذكره من حال جده أبي أمية عتبة بن ربيعة وخاله وعم أمه الوليد بن عتبة شيبة بن ربيعة وأخيه حنظلة ، أمر يشترك فيه هو وجمهور قريش ، فما منهم من أحد
[10] إلا وله أقارب كفار ، قتلوا كفارا أو ماتوا
[11] كفارا ، فهل كان في إسلامهم فضيحة ؟ ! .
وقد أسلم عكرمة بن أبي جهل ، وكانا من خيار المسلمين ، وأبواهما قتلا وصفوان بن أمية ببدر . وكذلك قتل أخوه يوم [ ص: 436 ] الحارث بن هشام بدر . وفي الجملة الطعن بهذا طعن في عامة أهل الإيمان . وهل يحل لأحد أن يطعن في علي بأن عمه أبا لهب كان شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ . أو يطعن في - رضي الله عنه - بأن أخاه كان معاديا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ العباس [12] أو يعير بكفر عليا أبي طالب أو يعير بذلك ؟ وهل مثل ذلك إلا من كلام من ليس من المسلمين ؟ العباس
[13] .
ثم الشعر المذكور ليس من جنس الشعر القديم
[14] ، بل هو شعر رديء .
وأما قوله : " إن الفتح كان في رمضان لثمان من مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة " فهذا صحيح
[15] .
وأما كان مقيما على شركه هاربا من النبي معاوية - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه كان قد أهدر دمه ، فهرب إلى قوله : " إن مكة ، فلما لم يجد له مأوى صار
[16] إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطرا فأظهر الإسلام ، وكان إسلامه قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر " .
فهذا من أظهر الكذب ; فإن أسلم عام الفتح باتفاق الناس ، وقد تقدم قوله : " إنه من المؤلفة قلوبهم " والمؤلفة قلوبهم أعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عام معاوية حنين من غنائم هوازن ، وكان ممن أعطاه [ منها ، [ ص: 437 ] والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتألف السادة المطاعين في عشائرهم ] معاوية
[17] ، فإن كان هاربا لم يكن من المؤلفة قلوبهم ، ولو لم يسلم إلا قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر لم يعط شيئا من غنائم حنين . معاوية
ومن كانت غايته أن يؤمن لم يحتج إلى تأليف . وبعض الناس يقول : إنه أسلم قبل ذلك ، فإن في الصحيح عنه أنه قال : " " رواه قصرت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على المروة البخاري [ ولفظه : ومسلم المروة بمشقص ؟ قاله ، وقال له : لا أعلم هذا حجة إلا عليك لابن عباس ] أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند
[18] . وهذا قد قيل : إنه كان في حجة الوداع ، ولكن هذا خلاف الأحاديث المروية
[19] المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنها كلها متفقة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل من إحرامه في حجة الوداع إلى يوم النحر ، وأنه أمر أصحابه
[20] أن يحلوا من إحرامهم الحل كله ، ويصيروا متمتعين بالعمرة إلى الحج ، إلا من ساق الهدي ، فإنه يبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي وطائفة من أصحابه قد ساقوا [ ص: 438 ] الهدي فلم يحلوا ، وكانت وطلحة وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يسق [ الهدي ] فاطمة
[21] فحللن . والأحاديث بذلك معروفة في الصحاح والسنن والمساند
[22] .
فعرف أنه لم يقصر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، ولكن من اعتقد ذلك أباح للمتمتع السائق للهدي معاوية
[23] أن يقصر من شعره ، وهو إحدى الروايتين عن ، كما أن عنه رواية أنه إذا قدم قبل العشر حل من إحرامه . أحمد ومالك يبيحان لكل متمتع أن يحل من إحرامه وإن كان قد ساق الهدي . وأما والشافعي أبو حنيفة - في المشهور عنه - وغيرهما من العلماء فيعلمون وأحمد
[24] بالسنة المتواترة أن سائق الهدي لا يحل إلى يوم النحر
[25] .
وتقصير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا قد معاوية
[26] كان قبل حجة الوداع : إما في عمرة القضية - وعلى هذا فيكون قد أسلم قبل الفتح [ ص: 439 ] كما زعم بعض الناس ، لكن لا يعرف صحة هذا - وإما في عمرة الجعرانة ، كما روي أن هذا التقصير كان في عمرة الجعرانة ، وكانت بعد فتح مكة ، وبعد غزوة حنين ، وبعد حصاره للطائف
[27] ; فإنه - صلى الله عليه وسلم - رجع من ذلك فقسم غنائم حنين بالجعرانة ، واعتمر منها إلى مكة ، فقصر عنه - رضي الله عنه - ، وكان [ معاوية ] معاوية
[28] قد أسلم حينئذ ، فإنه أسلم
[29] عند فتح مكة ، واستكتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لخبرته وأمانته ، ولا يعرف عنه ولا عن أخيه أنهما آذيا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما كان يؤذيه بعض المشركين . يزيد بن أبي سفيان
وأخوه يزيد أفضل منه . وبعض الجهال يظن أن يزيد هذا هو يزيد الذي تولى الخلافة بعد معاوية
[30] ، وقتل في زمنه ، فيظن الحسين من الصحابة ، وهذا جهل ظاهر ; فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة يزيد بن معاوية ، وأما عثمان يزيد عمه هذا
[31] فرجل صالح من خيار الصحابة ، واستعمله أحد أمراء الصديق الشام ، ومشى في ركابه ، ومات في خلافة ، فولى عمر - رضي الله عنه - أخاه عمر - رضي الله عنه - مكانه أميرا ، ثم لما ولي معاوية أقره على الإمارة وزاده ، وبقي أميرا ، إلى أن قتل عثمان ووقعت الفتنة ، إلى أن قتل أمير المؤمنين [ عثمان - رضي الله عنه - ] علي
[32] وبايع أهل العراق الحسن بن [ ص: 440 ] علي - رضي الله عنهما - ، فأقام ستة أشهر ، ثم سلم إلى ، تحقيقا لما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " معاوية " إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين [33] وبقي بعد ذلك عشرين سنة ، ومات سنة ستين . معاوية
ومما يبين كذب ما ذكره هذا الرافضي أنه لم يتأخر إسلام أحد من قريش إلى هذه الغاية ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعث عام تسع بعد الفتح بأكثر من سنة ليقيم الحج ، وينادى أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . وفي تلك السنة نبذت العهود إلى المشركين ، وأجلوا أربعة أشهر ، فانقضت المدة في سنة عشر ، فكان هذا أمانا عاما لكل مشرك من سائر قبائل العرب ، وغزا النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة أبا بكر تبوك سنة تسع لقتال النصارى بالشام ، وقد ظهر الإسلام بأرض العرب .
ولو كان من الذنوب ما كان لكان الإسلام يجب ما قبله ، فكيف ولم يعرف له ذنب يهرب لأجله ، أو يهدر دمه لأجله ؟ ! وأهل السير والمغازي متفقون على أنه لم يكن لمعاوية ممن أهدر دمه عام الفتح . فهذه مغازي معاوية ، عروة بن الزبير ، والزهري وموسى بن عقبة ، وابن إسحاق ، ، والواقدي وسعيد بن يحيى الأموي ، ومحمد بن عائذ
[34] ، وأبي إسحاق الفزاري ، وغيرهم . وكتب التفسير والحديث كلها تنطق بخلاف ما ذكره ويذكرون [ ص: 441 ] من إهدار النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه ، مثل مقيس بن حبابة
[35] وعبد الله بن خطل ، وهذان قتلا . وأهدر دم ، ثم بايعه . والذين أهدر دماءهم كانوا [ نفرا ] عبد الله بن سعد بن أبي سرح
[36] قليلا نحو العشرة .
كان أعظم الناس وأبو سفيان
[37] عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهو في غزوة بدر [ الذي ]
[38] أرسل إلى قريش ليستنفرهم ، وفي غزوة أحد [ هو الذي ]
[39] جمع الأموال التي كانت معه للتجارة ، وطلب من قريش أن ينفقها في قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو من أعظم قواد الجيش يوم أحد ، وهو قائد الأحزاب أيضا ، وقد أخذه بغير عهد ولا عقد ، ومشى العباس معه يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا نبي الله هذا عدو الله عمر ، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد ، فاضرب عنقه . فقاوله أبو سفيان في ذلك ، فأسلم العباس ، وأمنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : " أبو سفيان فهو آمن ، [ ومن دخل المسجد فهو آمن ] أبي سفيان
[40] ، ومن ألقى السلاح فهو آمن " . من دخل دار
فكيف يهدر
[41] دم ، وهو شاب صغير ليس له ذنب يختص به ، [ ص: 442 ] ولا عرف [ عنه ] معاوية
[42] أنه كان يحض على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أمن رءوس الأحزاب ؟ [43] فهل يظن هذا إلا من هو من أجهل الناس بالسيرة ؟ وهذا الذي ذكرناه مجمع عليه [ بين أهل العلم ]
[44] مذكور في عامة الكتب المصنفة في هذا الشأن .
وقد بسطنا الكلام على هذا في كتاب " الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لما ذكرنا من أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه [ عام الفتح ]
[45] ، وذكرناهم واحدا واحدا
[46] . نعم كان فيهم ، ثم إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عثمان
[47] - رضي الله عنه - أتى به فأسلم بمكة
[48] وحقن النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه .
وأما قوله : " إنه استحق أن يوصف بذلك دون غيره " .
ففرية على أهل السنة ; فإنه ليس فيهم من يقول : إن هذا من خصائص ، بل هو واحد من كتاب الوحي معاوية
[49] . وأما [ عبد الله بن [ ص: 443 ] سعد ]
[50] بن أبي سرح فارتد عن الإسلام ، وافترى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إنه عاد إلى الإسلام .
وأما قوله إنه نزل فيه : ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) .
فهو باطل ; فإن هذه الآية نزلت بمكة ، لما
[51] أكره عمار على الكفر . وردة هذا كانت وبلال بالمدينة
[52] بعد الهجرة ، ولو قدر أنه نزلت فيه هذه الآية ; فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبل إسلامه وبايعه .
وقد قال تعالى : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) .
وأما قوله : " وقد روى قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول : " يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي " فطلع عبد الله بن عمر . وقام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا ، فأخذ معاوية بيد ابنه معاوية يزيد وخرج ولم يسمع الخطبة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لعن الله القائد والمقود ، أي يوم يكون للأمة مع
[53] ذي الإساءة معاوية " .
[ ص: 444 ] فالجواب : أن يقال : أولا : نحن نطالب بصحة هذا الحديث ; [ فإن الاحتجاج بالحديث ]
[54] لا يجوز إلا بعد ثبوته . ونحن نقول هذا في مقام المناظرة ، وإلا فنحن نعلم قطعا أنه كذب .
ويقال ثانيا : هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث التي يرجع إليها في معرفة الحديث ، ولا له إسناد معروف
[55] . وهذا المحتج به لم يذكر له إسنادا . ثم من جهله أن يروي مثل هذا عن ، عبد الله بن عمر كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة ، وأروى الناس لمناقبهم ، وقوله في مدح وعبد الله بن عمر معروف ثابت عنه ، حيث يقول : ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية . قيل له : ولا معاوية أبو بكر ؟ فقال : كان وعمر أبو بكر خيرا منه ، وما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من وعمر معاوية
[56] .
[ ص: 445 ] قال ] أحمد [ بن حنبل
[57] : السيد الحليم [ يعني ] معاوية
[58] ، كريما حليما معاوية . وكان
ثم إن خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن واحدة ، بل كان يخطب في الجمع والأعياد والحج وغير ذلك . وأبوه يشهدان الخطب ، كما يشهدها المسلمون كلهم . أفتراهما ومعاوية [59] في كل خطبة كانا يقومان ويمكنان من ذلك ؟ هذا قدح في النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي سائر المسلمين ، إذ يمكنون اثنين دائما يقومان ولا يحضران [60] الخطبة ولا الجمعة . وإن كانا يشهدان كل خطبة ، فما بالهما يمتنعان [ من سماع ] خطبة
[61] واحدة قبل أن يتكلم بها ؟ .
ثم من المعلوم معاوية أنه كان من أحلم الناس ، وأصبرهم على من يؤذيه ، وأعظم الناس تأليفا لمن يعاديه ، فكيف ينفر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مع أنه أعظم الخلق من سيرة
[62] مرتبة في الدين والدنيا ، وهو محتاج إليه في كل أموره ؟ فكيف لا يصبر على سماع كلامه وهو بعد الملك [ كان ]
[63] يسمع كلام من يسبه
[64] في وجهه ؟ فلماذا لا
[65] يسمع كلام النبي - صلى الله [ ص: 446 ] عليه وسلم - ؟ وكيف يتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - كاتبا من هذه حاله ؟ .
[66]
وقوله : " إنه أخذ بيد ابنه زيدا أو يزيد "
[67] لم يكن له ابن اسمه فمعاوية زيد
[68] . وأما يزيد ابنه
[69] الذي تولى [ بعده ]
[70] الملك وجرى في خلافته ما جرى ، فإنما ولد في خلافة باتفاق أهل العلم ، ولم يكن عثمان ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . لمعاوية
قال الحافظ أبو الفضل ابن ناصر
[71] : " خطب - رضي الله عنه - في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يزوج معاوية
[72] لأنه كان فقيرا ، وإنما تزوج في زمن - رضي الله عنه - ، وولد له عمر يزيد في زمن - رضي الله عنه - سنة سبع وعشرين من الهجرة " . عثمان بن عفان
ثم نقول ثالثا : هذا الحديث يمكن معارضته بمثله من جنسه بما يدل على فضل - رضي الله عنه - . قال معاوية في كتاب " الموضوعات " الشيخ أبو الفرج بن الجوزي [73] : " قد تعصب قوم ممن يدعي السنة ، فوضعوا في [ ص: 447 ] فضل - رضي الله عنه - أحاديث ليغيظوا معاوية
[74] الرافضة ، وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمه أحاديث ، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح " .
وأما قوله : " علي " . إنه بالغ في محاربة
فلا ريب أنه اقتتل العسكران : عسكر علي ومعاوية بصفين ، ولم يكن ممن يختار الحرب ابتداء ، بل كان من أشد الناس حرصا معاوية
[75] على أن لا يكون قتال ، وكان غيره أحرص على القتال منه . وقتال صفين للناس فيه أقوال : فمنهم من يقول : كلاهما كان مجتهدا [ مصيبا ]
[76] ، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام والفقه والحديث ، ممن يقول : ، ويقول : كانا مجتهدين . وهذا قول كثير من الأشعرية والكرامية والفقهاء وغيرهم ، وهو قول طائفة كل مجتهد مصيب
[77] من أصحاب [ أبي حنيفة ] والشافعي
[78] وغيرهم ، وتقول الكرامية : كلاهما إمام مصيب ، ويجوز نصب إمامين للحاجة . وأحمد
ومنهم من يقول : بل المصيب أحدهما لا بعينه ، [ وهذا قول طائفة منهم ] .
ومنهم من يقول : علي هو المصيب وحده ، مجتهد مخطئ ، كما يقول ذلك طوائف من أهل الكلام والفقهاء أهل المذاهب الأربعة . ومعاوية
[ ص: 448 ] وقد حكى هذه الأقوال الثلاثة أبو عبد الله بن حامد عن أصحاب وغيرهم . أحمد
ومنهم من يقول : كان الصواب أن لا يكون قتال ، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين ، فليس في الاقتتال صواب ، ولكن كان أقرب إلى الحق من علي ، والقتال قتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب ، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين ، مع أن معاوية كان أولى بالحق . عليا
وهذا هو قول وأكثر أهل الحديث وأكثر أئمة أحمد
[79] الفقهاء ، وهو قول أكابر الصحابة والتابعين [ لهم بإحسان ]
[80] ، وهو قول - رضي الله عنه - ، وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال ، ويقول : هو عمران بن حصين ، وهو قول بيع السلاح في الفتنة ، أسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة ، وابن عمر ، وأكثر من بقي من السابقين [ الأولين ] من المهاجرين وسعد بن أبي وقاص
[81] والأنصار - رضي الله عنهم - .
ولهذا كان من مذاهب
[82] أهل السنة ، [ ص: 449 ] فإنه قد ثبتت فضائلهم ، ووجبت موالاتهم ومحبتهم . وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان ، ومنه ما تاب صاحبه منه ، ومنه ما يكون مغفورا . فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضا وذما ، ويكون هو في ذلك الإمساك عما شجر بين الصحابة
[83] مخطئا ، بل عاصيا ، فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك ، كما جرى لأكثر من تكلم في ذلك ; فإنهم تكلموا بكلام لا يحبه الله ولا رسوله : إما من ذم من لا يستحق الذم ، وإما من مدح أمور لا تستحق المدح
[84] .
[ ولهذا كان ] الإمساك
[85] طريقة أفاضل السلف
[86] . وأما غير هؤلاء فمنهم من يقول : [ كان فاسقا دون معاوية ، كما يقوله بعض علي المعتزلة . ومنهم من يقول : بل كان كافرا ، كما يقوله بعض الرافضة ، ومنهم من يقول : ]
[87] كلاهما كافر : علي ، كما يقوله ومعاوية الخوارج . ومنهم من يقول : فسق أحدهما لا بعينه ، كما يقوله بعض المعتزلة . ومنهم من يقول : [ بل ] [88] على الحق معاوية كان ظالما ، كما تقوله وعلي المروانية .
والكتاب - والسنة - قد دل على أن الطائفتين مسلمون ، وأن ترك القتال كان خيرا من وجوده . قال تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا [ ص: 450 ] فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) فسماهم
[89] مؤمنين إخوة مع وجود الاقتتال والبغي .
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق
[90] وهؤلاء المارقة مرقوا على ، فدل على أن طائفته أقرب إلى الحق من طائفة علي . معاوية
وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " إن ابني هذا سيد ، وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين
[91] فأصلح الله به بين أصحاب وأصحاب علي ، فمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - معاوية بالإصلاح بينهما ، وسماهما مؤمنين . وهذا يدل على أن الإصلاح بينهما هو المحمود ، ولو كان القتال واجبا أو مستحبا ، لم يكن تركه محمودا . الحسن
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " أخرجاه في الصحيحين ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من يستشرف لها تستشرفه ، ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به
[92] .
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " يوشك أن [ ص: 451 ] يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن
[93] .
وفي الصحيح عن - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أسامة بن زيد " إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر
[94] .
والذين رووا أحاديث ، القعود في الفتنة والتحذير منها ، كسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة لم يقاتلوا لا مع وأسامة بن زيد ولا مع علي . معاوية
وقال - رضي الله عنه - : " حذيفة ; فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له : " لا تضرك الفتنة " محمد بن مسلمة ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا [ ص: 452 ] أخافها عليه إلا
[95] .
وعن ثعلبة بن ضبيعة
[96] قال : دخلنا على فقال : " إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة شيئا ، فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه حذيفة ، فسألناه عن ذلك فقال : ما أريد أن يشتمل علي شيء من أمصارهم حتى تنجلي عما انجلت محمد بن مسلمة " رواهما
[97] أبو داود [98] .