الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الفصل التاسع [1]

                  قال الرافضي [2] : وعن عمرو بن ميمون قال : لعلي بن أبي [ ص: 31 ] طالب [3] عشر [4] فضائل ليست لغيره . قال له [5] النبي - صلى الله عليه وسلم : لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا ، يحب الله ورسوله ، [ ويحبه الله ورسوله ] [6] ، فاستشرف إليها [7] من استشرف . قال [8] : أين علي بن أبي طالب [9] ؟ قالوا : هو أرمد [10] في الرحى يطحن . قال [11] : وما كان أحدهم يطحن .

                  قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر . قال : فنفث [12] في عينيه ثم هز الراية ثلاثا وأعطاها إياه [13] ، فجاء بصفية بنت حيي . قال : ثم بعث أبا بكر بسورة التوبة [14] ، فبعث عليا خلفه [15] فأخذها منه وقال : لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه
                  .

                  [ ص: 32 ] وقال لبني عمه [16] : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ قال : وعلي معهم جالس [17] فأبوا ، فقال علي [18] : أنا أواليك في الدنيا والآخرة . قال [19] : فتركه ، ثم أقبل على رجل رجل منهم [20] ، فقال : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ فأبوا ، فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة . فقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة .

                  قال : وكان علي أول من أسلم من الناس بعد خديجة . قال : وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [21] ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب : 33 ] .

                  قال : وشرى علي نفسه ولبس ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نام مكانه ، وكان [22] المشركون يرمونه بالحجارة .

                  وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - [23] بالناس في غزاة تبوك ، فقال له علي [24] : أخرج معك ؟ قال [25] : لا . فبكى علي ، فقال له : [ ص: 33 ] أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنك لست بنبي ، لا [26] ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي [27] .

                  وقال [28] له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أنت وليي في كل مؤمن بعدي .

                  قال : وسد [29] أبواب المسجد إلا باب علي [30] . قال وكان يدخل المسجد [31] جنبا ، وهو طريقه ليس له طريق غيره .

                  وقال له : من كنت مولاه فعلي مولاه [32] .

                  وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا أنه بعث أبا بكر في ( براءة ) إلى مكة [33] ، فسار بها [34] ثلاثا ثم قال لعلي : الحقه فرده وبلغها أنت ، ففعل [35] . فلما [36] قدم أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى وقال : يا رسول الله ، حدث [37] في شيء ؟ قال : لا ، ولكن أمرت [38] أن لا يبلغها [39] إلا أنا أو رجل مني .

                  [ ص: 34 ] والجواب : أن هذا [40] ليس مسندا ، بل هو [41] مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون ، وفيه ألفاظ هي كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كقوله : [ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنك لست بنبي ] [42] ، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي . فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي ، كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه وخليفته غيره ، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره ، وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته في المدينة [43] غيره ، وغزا حنينا والطائف وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره ، [ وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره ] [44] ، وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره .

                  وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث ، وكان علي معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال   .

                  فإن قيل : استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل ، لزم أن يكون علي مفضولا في عامة الغزوات ، وفي عمرته وحجته ، لا سيما وكل مرة كان يكون الاستخلاف على رجال مؤمنين ، وعام تبوك ما كان الاستخلاف إلا على النساء والصبيان ومن عذر الله ، وعلى الثلاثة الذين [ ص: 35 ] خلفوا [45] أو متهم بالنفاق ، وكانت المدينة آمنة لا يخاف على أهلها ، ولا يحتاج المستخلف إلى جهاد كما يحتاج في أكثر الاستخلافات .

                  وكذلك قوله : " وسد الأبواب كلها إلا باب علي " فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة [46] ، فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مرضه الذي مات فيه : " إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر " ورواه ابن عباس أيضا في الصحيحين [47] ، ومثل قوله : " أنت وليي في كل مؤمن بعدي " فإن هذا [ ص: 36 ] موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث [48] ، والذي فيه من الصحيح [49] ليس هو من خصائص الأئمة ، بل ولا من خصائص علي ، بل قد شاركه فيه غيره ، مثل كونه يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ومثل استخلافه وكونه منه بمنزلة هارون من موسى ، ومثل كون علي مولى من النبي - صلى الله عليه وسلم - مولاه [50] فإن كل مؤمن موال لله ورسوله ، ومثل كون ( براءة ) لا يبلغها إلا رجل من بني هاشم ; فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين ، لما روي أن العادة كانت جارية بأن لا ينقض العهود ويحلها [51] إلا رجل من قبيلة المطاع .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية