الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  وأما حديث المعراج وقوله فيه : إن الملائكة المقربين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل علي وخاصته ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم [1] : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ " اشتاقت إلى علي فخلق الله [2] لها ملكا على صورة علي " .

                  فالجواب : أن هذا [3] من كذب الجهال الذين لا يحسنون أن يكذبوا ، فإن المعراج كان بمكة قبل الهجرة بإجماع الناس ، كما قال تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير [ سورة الإسراء : 1 ] .

                  [ ص: 67 ] [ وكان الإسراء من المسجد الحرام ] [4] . وقال : والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ سورة النجم ] إلى قوله : أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى [ سورة النجم : 12 - 14 ] إلى قوله : أفرأيتم اللات والعزى [ سورة النجم : 19 ] وهذا كله نزل بمكة بإجماع الناس .

                  وقوله : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ " قاله في غزوة تبوك ، وهي آخر الغزوات عام تسع من الهجرة . فكيف يقال إن الملائكة ليلة المعراج سمعوا قوله : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " ؟ .

                  ثم قد علم أن الاستخلاف على المدينة مشترك ، فكل الاستخلافات التي قبل غزوة تبوك وبعد تبوك كان يكون بالمدينة رجال من المؤمنين المطيعين [5] يستخلف عليهم . وغزوة [6] تبوك لم يكن فيها رجل مؤمن مطيع إلا من عذره الله ممن هو عاجز عن الجهاد ، فكان المستخلف عليهم في غزوة تبوك أقل وأضعف من المستخلف عليهم في جميع أسفاره ومغازيه وعمره وحجه ، وقد سافر [ النبي صلى الله عليه وسلم ] [7] من المدينة قريبا من ثلاثين سفرة ، وهو يستخلف فيها من يستخلفه ، كما استخلف في غزوة الأبواء سعد بن عبادة [8] ، واستخلف في غزوة [9] [ ص: 68 ] بواط سعد بن معاذ [10] ، ثم لما رجع وخرج في طلب كرز بن جابر ( * الفهري استخلف زيد بن حارثة [11] ، واستخلف في غزوة العشيرة أبا سلمة بن عبد الأشهل [12] ، وفي غزوة بدر استخلف ابن أم مكتوم [13] ، واستخلفه في غزوة قرقرة الكدر [14] ، ولما ذهب إلى بني سليم ، وفي غزوة [15] حمراء الأسد ، وغزوة بني النضير ، وغزوة بني قريظة : واستخلفه [16] لما خرج في طلب اللقاح التي استاقها عيينة بن حصن ، ونودي ذلك [17] اليوم : يا خيل الله اركبي ، وفي غزوة الحديبية ، واستخلفه في غزوة الفتح ، واستخلف [ ص: 69 ] أبا لبابة في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق ، واستخلف عثمان بن عفان في غزوة غطفان التي يقال لها غزوة أنمار ، واستخلفه في غزوة ذات الرقاع ، واستخلف ابن رواحة في غزوة بدر الموعد ، واستخلف سباع بن عرفطة الغفاري في غزوة دومة الجندل وفي غزوة خيبر ، واستخلف زيد بن حارثة في غزوة المريسيع ، واستخلف أبا رهم [18] في عمرة [19] القضية * ) [20] ، وكانت تلك الاستخلافات أكمل من استخلاف علي رضي الله عنه عام تبوك ، وكلهم كانوا منه بمنزلة [21] هارون من موسى ، إذ المراد التشبيه في أصل الاستخلاف [22] .

                  وإذا قيل : في تبوك كان السفر بعيدا .

                  قيل : ولكن كانت المدينة وما حولها أمنا ، لم يكن هناك عدو يخاف ، لأنهم كلهم أسلموا ، ومن لم يسلم ذهب . وفي غير تبوك كان العدو موجودا حول المدينة ، وكان يخاف على من بها ، فكان خليفته يحتاج إلى مزيد اجتهاد ولا يحتاج إليه في الاستخلاف في تبوك [23] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية