وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله ، ولا يضافون إلا إليه ، وهم أعلم الناس بسنته وأتبع لها . وأكثر سلف الأمة كذلك ، لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين . وهكذا سائر طوائف الأمة ، ، بل سائر طوائف الخلق ، كل حير معهم فيما جاءت به الرسل عن الله ، وما كان معهم من خطأ أو ذنب فليس من جهة الرسل . والذين رفع الله قدرهم في الأمة هو بما أحيوه من سنته ونصرته .
ولهذا كان . كما قال الصحابة إذا تكلموا في مسألة باجتهادهم ، قال أحدهم : أقول فيها برأيي ; فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه رضي الله عنه في الكلالة ، وكما قال أبو بكر في المفوضة إذا مات عنها زوجها ، وكلاهما ابن مسعود [3] أصاب فيما قاله برأيه ، لكن قال الحق ; فإن القول إذا كان [ ص: 183 ] صوابا فهو مما جاء به الرسول عن الله ، فهو من الله ، وإن كان خطأ فالله لم يبعث الرسول بخطأ ، فهو من نفسه ومن الشيطان ، لا من الله ورسوله .
والمقصود بالإضافة إليه [4] الإضافة إليه من جهة إلاهيته ، من جهة الأمر والشرع والدين ، وأنه يحبه ويرضاه ، ويثيب فاعله عليه . وأما من جهة الخلق ، فكل الأشياء منه . والناس لم يسألوا الصحابة عما من الله خلقا وتقديرا ، فقد علموا أن كل ما وقع فمنه . والعرب كانت في جاهليتها تقر بالقضاء والقدر . قال وغيره : ما زالت العرب في جاهليتها وإسلامها مقرة بالقدر ابن قتيبة [5] . وقد [6] قال عنترة :
يا عبل أين من المنية مهرب إن كان ربي في السماء قضاها
وإنما كان سؤال الناس عما من الله من جهة أمره ودينه وشرعه الذي يرضاه ويحبه ويثيب أهله .وقد ، وإن كان بقضاء الله وقدره ، وإن كان يعفي عن صاحبه ، كما يعفي عن النسيان والخطأ . علم الصحابة أن ما خالف الشرع والدين فإنه يكون من النفس والشيطان
ونسيان الخير يكون من الشيطان كما قال تعالى : وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين [ سورة الأنعام : 68 ] .
وقال فتى موسى - صلى الله عليه وسلم : وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [ سورة الكهف : 63 ] وقال : فأنساه الشيطان ذكر ربه [ سورة يوسف : 42 ] .
[ ص: 184 ] ولما نام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الوادي عن الصلاة قال : " " هذا واد حضرنا فيه الشيطان [7] . وقال : " فجعل يهديه بلالا [8] كما يهدى الصبي حتى نام " إن الشيطان أتى [9] فإنه كان وكل أن يكلأ لهم الصبح بلالا [10] ، مع قوله : " " ليس في النوم تفريط [11] وقال : " " إن الله قبض [ ص: 185 ] أرواحنا [12] . [ وقال له : " أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك " ] بلال [13] وقال : " " . من نام عن صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك
ومع قوله تعالى عن المؤمنين : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ سورة البقرة : 286 ] قال تعالى " قد فعلت " [14] .
وكذلك وإن كان مغفورا لصاحبه . وكذلك الاحتلام في المنام من الشيطان . وفي الصحيحين عنه أنه قال : " الخطأ في الاجتهاد من النفس والشيطان " الرؤيا ثلاثة : رؤيا من الله ، ورؤيا من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام [15] . فالنائم يرى في منامه ما يكون من الشيطان ، وهو كما قال - صلى الله عليه وسلم : " " رفع [ ص: 186 ] القلم عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يحتلم [16] . وأعذرهم النائم ، ولهذا لم يكن لشيء من أقواله التي تسمع منه [17] في المنام حكم باتفاق العلماء ، فلو طلق أو أعتق أو تبرع أو غير ذلك في منامه كان لغوا ، بخلاف الصبي المميز ، فإن أقواله قد تعتبر ، إما بإذن الولي ، وإما بغير إذنه ، في مواضع بالنص ، وفي مواضع بالإجماع .
وكذلك . قال تعالى : الوسواس في النفس يكون من الشيطان تارة ومن النفس تارة ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ سورة ق : 16 ] . وقال : فوسوس إليه الشيطان [ سورة طه : 120 ] [18] ، وقال : فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما [ سورة الأعراف : 20 ] .
والوسوسة من جنس الوشوشة بالشين المعجمة [19] ، ومنه وسوسة [20] الحلى ، وهو الكلام الخفي والصوت الخفي .
[ ص: 187 ] وقد قال تعالى : قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس [ سورة الناس : 1 - 6 ] . وقد قيل إن المعنى : من الذي يوسوس في صدور الناس : من الجنة ومن الناس ، وأنه جعل الناس أولا تتناول الجنة والناس ، فسماهم ناسا ، كما سماهم رجالا . قاله الفراء .
وقيل : المعنى : من شر الموسوس في صدور الناس من الجن ، ومن شر الناس مطلقا . قاله . ومن المفسرين الزجاج من لم يذكر غيرهما ، وكلاهما ضعيف . والصحيح أن المراد القول الثالث ، وهو أن كأبي الفرج بن الجوزي [21] الاستعاذة من شر الموسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس ، فأمر بالاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن [22] .
كما قال تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون [ سورة الأنعام : 112 ] .
وفي حديث الطويل الذي رواه أبي ذر في صحيحه [ ص: 188 ] بطوله قال : " أبو حاتم بن حبان تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن " . فقال : يا رسول الله ، أو للإنس شياطين ؟ قال : " نعم ، شر من شياطين الجن أبا ذر " يا [23] .
وقد قال تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون [ سورة البقرة : 14 ] . والمنقول عن عامة المفسرين أن المراد شياطين الإنس ، وما علمت أحدا قال : إنهم شياطين الجن [24] . فعن ابن مسعود وابن عباس والحسن : أنهم رءوسهم والسدي [25] في الكفر . وعن أبي العالية : إخوانهم من المشركين . وعن ومجاهد الضحاك وابن السائب : كهنتهم [26] .
والآية تتناول هذا كله وغيره ، ولفظها يدل على أن المراد شياطين الإنس ، لأنه قال : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم [ سورة البقرة : 14 ] . ومعلوم أن شيطان [27] الجن معهم لما لقوا الذين آمنوا لا يحتاج أن يخلوا به [28] ، وشيطان الجن هو [ ص: 189 ] الذي أمرهم بالنفاق ولم يكن ظاهرا حتى يخلو [29] معهم ، ويقول : إنا معكم ، لا سيما إذا كانوا يظنون أنهم على حق .
كما قال تعالى : وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون [ سورة البقرة : 13 ] ، ولو علموا أن الذي يأمرهم [30] بذلك شيطان لم يرضوه .
وقد قال : كل متمرد عند العرب شيطان . وفي اشتقاقه قولان أصحهما أنه من شطن يشطن إذا بعد عن الخير ، والنون أصلية . قال الخليل بن أحمد أمية بن أبي الصلت في صفة سليمان عليه السلام :
أيما شاطن [31] عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال [32] عكاه : أوثقه . وقال النابغة :
نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين
[ ص: 190 ] فالشيطان المتصف بصفة ثابتة قوية في كثرة البعد عن الخير ، بخلاف من بعد عنه مرة وقرب منه أخرى ; فإنه لا يكون شيطانا . ومما يدل على ذلك قولهم : تشيطن يتشيطن شيطنة ، ولو كان من شاط يشيط لقيل : تشيط يتشيط . والذي قال : هو من شاط يشيط إذا احترق والتهب ، جعل النون زائدة وقال : وزنه فعلان . كما قال الشاعر :
وقد يشيط على أرماحنا البطل
[37] .وهذا يصح في الاشتقاق الأكبر الذي يعتبر فيه الاتفاق في جنس الحروف ، كما يروى عن أبي جعفر أنه قال : العامة مشتق من العمى ، ما رضي الله أن يشبههم [38] بالأنعام حتى قال : بل هم أضل سبيلا وهذا كما يقال السرية مأخوذة من السر ، وهو النكاح . ولو جرت على القياس لقيل : سريرة [39] فإنها على وزن فعيلة [40] . ولكن العرب تعاقب بين الحرف المضاعف والمعتل ، كما يقولون : تقضى البازي وتقضض . قال الشاعر :
تقضي البازي إذا [41] البازي كسر
[42] ومنه قوله تعالى : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه [ سورة البقرة : 259 ] ، وهذه الهاء تحتمل أن تكون أصلية فجزمت بلم ، ويكون من سانهت ، وتحتمل أن تكون هاء السكت ، كالهاء من كتابيه [ ص: 191 ] و " حسابيه " و " اقتده " و " ماليه " و " سلطانيه " . وأكثر القراء يثبتون الهاء وصلا ووقفا ، وحمزة يحذفانها من الوصل هنا ومن " اقتده " فعلى قراءتهما يجب أن تكون هاء السكت ، فإن الأصلية لا تحذف ، فتكون لفظة : " لم يتسن " ، كما تقول : لم يتغن ، وتكون مأخوذة من قولهم : تسنى يتسنى . وعلى الاحتمال الآخر تكون من : تسنه يتسنه ، والمعنى واحد . قال والكسائي : أي لم يتغير بمر السنين عليه . قال : واللفظ مأخوذ من السنه ، يقال ابن قتيبة [43] : سانهت النخلة إذا حملت عاما . وحالت عاما فذكر لغة من جعل الهاء أصلية ، وفيها لغتان : يقال : عاملته مسانهة ومساناة . ومن الشواهد لما ذكره ابن قتيبة قول الشاعر : ابن قتيبةفليست بسنهاء ولا رجبية [44] ولكن عرايا [45] في السنين الجوائح
والمفسرون من أهل اللغة يقولون في الآية : معناه : لم يتغير . وأما لغة من قال : إن أصله سنوة فهي مشهورة ، ولهذا يقال في جمعها : سنوات ، [ ص: 192 ] ويشابهه في الاشتقاق الأكبر الماء الآسن ، وهو المتغير المنتن ، ويشابهه في الاشتقاق الأصغر الحمأ المسنون ، فإنه من سن ، يقال : سننت الحجر على الحجر إذا حككته ، والذي يسيل بينهما [52] سنن [53] ، ولا يكون إلا منتنا [54] . وهذا أصح من قول من يقول : المسنون المصبوب على سنة الوجه ، أو المصبوب [55] المفرغ ، أي أبدع صورة الإنسان ; فإن هذا إنما كان بعد أن خلق من الحمأ [56] المسنون ، ونفس الحمأ لم يكن على صورة الإنسان ولا صورة وجه ، ولكن المراد المنتن .
فقوله : لم يتسنه بخلاف قوله : ماء غير آسن [ سورة محمد : 15 ] ، فإنه من قولهم : أسن يأسن ; فهذا من جنس الاشتقاق الأكبر ، لاشتراكهما في السين والنون والنون [57] الأخرى ، والهمزة والهاء متقاربتان فإنهما حرفا حلق ، وهذا باب واسع .
والمقصود أن اللفظين إذا اشتركا في أكثر الحروف وتفاوتا في بعضها ، قيل : أحدهما مشتق من الآخر ، وهو الاشتقاق الأكبر ، والأوسط أن يشتركا في الحروف لا في ترتيبها ، كقول الكوفيين : الاسم مشتق من السمة والاشتقاق الأصغر الخاص الاشتراك في الحروف وترتيبها وهو المشهور كقولك : علم يعلم فهو عالم .
[ ص: 193 ] وعلى هذا فالشيطان مشتق من شطن ، وعلى الاشتقاق الأكبر هو من باب [58] شاط يشيط ، لأنهما اشتركا في الشين والطاء . والنون والياء متقاربتان .
فهو سبحانه [59] أمر في سورة الناس بالاستعاذة من : شر الوسواس من الجنة والناس ، الذي يوسوس في صدور الناس . ويدخل في ذلك وسوسة نفس الإنسان له ، ووسوسة غيره له .
والقول في معنى الآية مبسوط في مصنف مفرد [60] .
والمقصود هنا أنه قد ثبت [61] في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة : " وابن عباس [62] هم بحسنة كتبت له حسنة كاملة ، فإن عملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة " أن العبد إذا هم بخطيئة لم تكتب عليه ، فإن تركها لله كتبت له حسنة كاملة ، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، وأنه إذا [63] .
[ ص: 194 ] وفي الصحيحين عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال أبي هريرة [64] : " " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به [65] .
وفي الصحيحين عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أبي هريرة [66] بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يضل [67] الرجل إن يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين " إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي التأذين أقبل ، فإذا ثوب بالصلاة أدبر - يعني الإقامة - فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر [68] .
[ ص: 195 ] فقد أخبر أن هذا التذكير والوسواس من الشيطان ، وأنه ينسيه حتى لا يدري كم صلى ، وأمره بسجدتي السهو ، ولم يؤثمه بذلك . والوسواس الخفيف لا يبطل الصلاة باتفاق العلماء . وأما إذا كان هو الأغلب ، فقيل : عليه الإعادة ، وهو اختيار أبي عبد الله بن حامد . والصحيح الذي عليه الجمهور ، وهو المنصوص عن وغيره ، أنه لا إعادة عليه . فإن حديث أحمد عام مطلق في كل وسواس ، ولم يأمر أبي هريرة [69] بالإعادة ، لكن ينقص أجره بقدر ذلك .
قال : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها . وفي السنن عن ابن عباس أنه صلى صلاة فخففها ، فقيل له في ذلك ، فقال : هل نقصت منها شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإني بدرت الوسواس ، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " عمار بن ياسر " إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا عشرها ، إلا تسعها ، إلا ثمنها ، حتى قال : إلا نصفها [70] .
وهذا الحديث حجة على ابن حامد ; فإن أدنى ما ذكر نصفها ، وقد ذكر أنه يكتب له عشرها . وأداء الواجب له مقصودان : أحدهما : براءة الذمة ، بحيث يندفع عنه الذم والعقاب المستحق بالترك ، فهذا لا تجب معه الإعادة ، فإن الإعادة يبقى مقصودها حصول ثواب مجرد ، وهو شأن [ ص: 196 ] التطوعات ، لكن حصول الحسنات الماحية للسيئات [71] لا يكون إلا مع القبول الذي عليه الثواب ، فبقدر ما يكتب له من الثواب يكفر عنه به [72] من السيئات الماضية ، وما لا ثواب فيه لا يكفر وإن برئت به الذمة .
كما في الحديث المأثور : " [73] ، ورب قائم حظه من قيامه السهر " رب صائم ليس حظه من صيامه إلا الجوع والعطش [74] يقول : إنه تعب ولم يحصل له منفعة ، لكن برئت ذمته [75] ، فسلم من العقاب فكان على حاله لم يزدد بذلك خيرا .
والصوم إنما شرع لتحصيل التقوى ، كما قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات [ سورة البقرة : 183 - 184 ] .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " [76] جنة ، فإذا كان أحدكم [ ص: 197 ] صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل : إني صائم " . وفيها ثلاثة أقوال في مذهب الصيام وغيره . قيل : يقول أحمد [77] في نفسه فلا يرد عليه . وقيل : يقول [78] بلسانه . وقيل : يفرق بين الفرض فيقول [79] بلسانه والنفل يقول في نفسه ; فإن صوم الفرض مشترك ، والنفل يخاف عليه من الرياء . والصحيح أنه يقول [80] بلسانه ، كما دل عليه الحديث ; فإن القول المطلق لا يكون إلا باللسان ، وأما ما [81] في النفس فمقيد ، كقوله : " " ثم قال : " عما حدثت به أنفسها " فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع . وإذا قال بلسانه : إني ما لم تتكلم أو تعمل به [82] صائم بين عذره في إمساكه عن الرد ، وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان .
وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [83] . بين [84] [ ص: 198 ] - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى لم يحرم على الصائم الأكل لحاجته إلى ترك الطعام والشراب ، كما يحرم السيد على عبيده بعض ماله ، بل المقصود محبة الله تعالى ، وهو حصول التقوى ، فإذا لم يأت به فقد أتى بما ليس فيه محبة ورضا ، فلا يثاب عليه ، ولكن لا يعاقب [85] عقوبة التارك .