[ ص: 448 ] وما يثبتونه من المجردات المفارقات لا يحصل معهم منه غير النفس الناطقة ; فإنها تفارق بدنها . وما سوى ذلك فلا يثبت معهم على طريقهم إلا المجردات المعقولة في الأذهان ، وهي الكليات المعقولة ، ولكنهم يظنون ثبوت ذلك في الخارج ، كما يظن شيعة أفلاطون [1] ثبوت المثل الأفلاطونية في الخارج ، فتثبت [2] كليات قديمة أزلية أبدية مفارقة [3] كإنسان كلي .
وهذا هو غلطهم [4] ، حيث ظنوا ما هو في الأذهان موجودا في الأعيان ، وكذلك ما يثبتونه من الجواهر العقلية ، وهي أربعة : العقل ، والنفس ، والمادة ، والصورة ، وطائفة منهم كشيعة أفلاطون [5] تثبت جوهرا عقليا هو الدهر ، وجوهرا عقليا هو الخير ، وتثبت جوهرا عقليا هو المادة الأولى المعارضة للصورة .
وكل هذه العقليات التي يثبتونها إذا حققت غاية التحقيق تبين أنها أمور معقولة في النفس ، فيتصورها في نفسه ، فهي معقولات في قلبه ، وهي مجردة عن جزئياتها الموجودة في الخارج ; فإن العقل دائما ينتزع من الأعيان المعينة المشهودة كليات مشتركة عقلية ، كما يتصور زيدا وعمرا وبكرا ، ثم يتصور إنسانا مشتركا كليا ينطبق على زيد وعمرو وبكر ، [ ص: 449 ] ولكن هذا المشترك إنما هو في قلبه وذهنه ، يعقله بقلبه ، ليس في الخارج إنسان مشترك كلي يشترك [6] فيه هذا وهذا ، بل كل إنسان يختص بذاته وصفاته ، لا يشاركه غيره في شيء مما قام به قط .
وإذا قيل : الإنسانية مشتركة أو الحيوانية ، فالمراد أن في هذا حيوانية وإنسانية تشابه ما في هذا من الحيوانية والإنسانية ، ويشتركان في مسمى الإنسانية والحيوانية ، وذلك المسمى إذا أخذ مشتركا كليا لم يكن إلا في الذهن . وهو تارة يوجد [7] مطلقا بشرط الإطلاق ، فلا يكون إلا في الذهن عند عامة العقلاء ، إلا من أثبت المثل الأفلاطونية في الخارج . وتارة يوجد [8] مطلقا لا بشرط الإطلاق بحيث يتناول المعينات ، وهذا قد يقال : إنه موجود في الخارج ، وهو موجود في الخارج معينا مقيدا مخصوصا . فيقال : هذا الإنسان ، وهذا الحيوان ، وهذا الفرس ، وأما وجوده في الخارج [ مع ] [9] كونه مشتركا في الخارج فهذا باطل .
ولهذا كان من المعروف عندهم أن الكليات ثابتة في الأذهان لا في الأعيان ، ومن قال : إن فمعناه الصحيح أن ما هو كلي إذا كان في الذهن يوجد في الخارج ، لكن لا يوجد في الخارج كليا ، وهذا كما يقال الكلي الطبيعي موجود في الخارج [10] : ما يتصوره الذهن قد يوجد في [ ص: 450 ] الخارج وقد لا يوجد ، ولا يراد بذلك أن [11] نفس الصورة الذهنية تكون بعينها في الخارج ، ولكن يراد به أن ما يتصور في الذهن قد يوجد في الخارج ، كما يوجد أمثاله في الخارج .
كما يتصور الإنسان [12] دارا يبنيها وعملا يعمله ، ويقول الرجل لغيره : جئت بما كان في نفسي ، وفعلت هذا كما كان في نفسي ، وقال - رضي الله عنه - : " زورت في نفسي مقالة ، فجاء عمر بن الخطاب في بديهته بأحسن منها " . وهذا كله معروف عند الناس ; فإن الشيء له وجود في نفسه ، وله مثال مطابق [ له ] أبو بكر [13] في العلم ، ولفظ يدل على ذلك المثال العلمي ، وخط يطابق ذلك اللفظ . ويقال : له وجود في الأعيان ، ووجود في الأذهان ، ووجود في اللسان ، ووجود في البنان [14] ، ووجود عيني ، وعلمي ، ولفظي ، ورسمي ، كالشمس الموجودة ، والكعبة الموجودة ، ثم إذا رأى الإنسان الشمس يمثلها في نفسه ، ثم يقول بلسانه : شمس ، وكعبة ، ثم يكتب بخطه : شمس ، وكعبة ، فإذا كتب وقيل : هذه الشمس التي في السماء ، وهذه الكعبة التي يصلي إليها المسلمون ، لم يرد بذلك أن الخط هو الشمس والكعبة ، ولكن المعنى معروف .
كما إذا قال [15] : يا زيد ، فالمنادي لا ينادي الصوت ، وإذا قال : ضربت [ ص: 451 ] زيدا ، لم يرد أنه ضرب الحروف ، لكن قد عرف أنه ، وإذا كتبت الأسماء فالمراد بالخط ما يراد باللفظ . فإذا قيل : لما في الورقة هذه إذا أطلق الأسماء فالمراد مسمياتها التي جعلت الأسماء دالة عليها الكعبة من الحجاز ، فالمراد المسمى [16] بالاسم اللفظي الذي طابقه الخط .
ومثل هذا كثير يعرفه كل أحد . فإذا قيل لما في النفس : ليس بعينه هو الموجود في الخارج ، فهو بهذا الاعتبار ، أي : ما تصورته [ في ] [17] النفس موجود في الخارج ، لكن يطابقه مطابقة المعلوم للعلم .
فإذا قيل : الكلي الطبيعي في الخارج ، فهو بهذا الاعتبار أي : يوجد في الخارج ما يطابقه الكلي [18] الطبيعي ، فإنه المطلق لا بشرط ، فيطابق المعينات بخلاف المطلق بشرط الإطلاق ، فإن هذا لا يطابق المعينات .
وأما أن يقال : [ إن ] [19] في الخارج أمرا كليا مشتركا فيه بعينه ، هو في هذا المعين وهذا المعين ، فهذا [20] باطل قطعا ، وإن كان قد قاله طائفة ، وأثبتوا ماهيات مجردة في الخارج عن المعينات ، وقالوا : إن تلك الماهية غشيتها غواش غريبة ، وإن أسباب الماهية غير أسباب الوجود ، وهذا قد بسط الكلام عليه في الكلام على المنطق وعلى " الإشارات " وغير ذلك ، وبين أن الذي لا ريب فيه أن ما يتصور في الأذهان ليس هو الموجود في [ ص: 452 ] الأعيان ، فمن عنى بالماهية ما في الذهن ، وبالوجود ما في الخارج ، فهو مصيب في قوله : الوجود مغاير للماهية ، وأما إذا عنى بالماهية ما في الخارج ، وبالوجود ما في الخارج ، وبالماهية ما في الذهن ، وبالوجود ما في الذهن ، وادعى أن في الذهن شيئين ، وأن في الخارج شيئين : وجود وماهية ، فهذا يتخيل [21] خيالا لا حقيقة له . وبهذا التفصيل يزول الاشتباه الحاصل في هذا الموضع .
" مأخوذ من قول السائل : ما هو ؟ وما هو سؤال عما يتصوره المسئول ليجيب عنه ، وتلك هي الماهية للشيء في نفسه ، والمعنى المدلول عليه باللفظ لا بد أن يكون مطابقا للفظ ; فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة ، ودلالة اللفظ على بعض ذلك المعنى بالتضمن ، ودلالته على لازم ذلك المعنى بالالتزام ولفظ " الماهية [22] .
وليست دلالة اللفظ على ما وضع له ، كما يظنه بعض الناس ، ولا دلالة دلالة المطابقة [23] استعمال اللفظ في جزء معناه ، ولا دلالة التضمن [24] استعمال اللفظ في لازم معناه . الالتزام
بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ ، وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ ، فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في [ ص: 453 ] معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ ، وسمي " معنى " [25] لأنه عنى به [26] أي قصد وأريد بذلك ، فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه .
ثم [27] في غير ما وضع له ، وهو المجاز ، وقد يكون المجاز من باب استعمال لفظ الجميع في البعض ، ومن باب استعمال الملزوم في اللازم ، وقد يكون في غير ذلك . قد يكون اللفظ مستعملا [ فيما وضع له ، وهو الحقيقة ، وقد يكون مستعملا ]
وذلك كله دلالة اللفظ على مجموع المعنى ، وهي ، سواء كانت الدلالة حقيقة أو مجازية دلالة المطابقة [28] ، أو غير ذلك . ثم ذلك المعنى المدلول عليه اللفظ : إذا كان له جزء فدلالة اللفظ عليه تضمن ; لأن اللفظ تضمن [29] ذلك الجزء ، ودلالته على لازم ذلك المعنى هي دلالة الملزوم ، ; لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان ، سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا . وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة
فالماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه دلالة لفظه عليها [ دلالة ] [30] مطابقة ، ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن ، ودلالته على ما يلزمها وهو خارج عنها دلالة الالتزام .
[ ص: 454 ] فإذا قيل : الصفات الذاتية الداخلة في الماهية والخارجة عن الماهية ، وعني بالداخل ما دل عليه اللفظ بالتضمن ، وبالخارج ما دل عليه بالالتزام [31] ، فهذا صحيح .
وهذا الدخول والخروج هو بحسب ما تصوره المتكلم ، فمن تصور حيوانا ناطقا فقال : إنسان ، كانت دلالته على المجموع مطابقة ، وعلى أحدهما تضمن ، وعلى اللازم - مثل كونه ضاحكا - التزام ، وإذا تصور إنسانا ضاحكا كانت دلالة إنسان على المجموع مطابقة ، وعلى أحدهما تضمن ، وعلى اللازم مثل كونه [32] ناطقا التزام .
وأما أن تكون الصفات اللازمة للموصوف في الخارج : بعضها داخل في حقيقته وماهيته ، [ وبعضها خارج عن حقيقته وماهيته ] [33] ، والداخل هو الذاتي ، [34] والوجود ، وإلى لازم للوجود دون الماهية ; فهذا كله مما قد بسط الكلام عليه [ في مواضع ] والخارج ينقسم إلى لازم للماهية [35] ، وبينا ما في المنطق اليوناني من الأغاليط ، التي بعضها من معلمهم الأول ، وبعضها من تغيير المتأخرين .
وتكلمنا على ما ذكره أئمتهم في ذلك [ واحدا واحدا ] [36] [ ص: 455 ] كابن سينا وأبي البركات وغيرهما ، وأنه [37] يوجد من كلامهم أنفسهم [38] ، ومن رد بعضهم على بعض ، ما يبين أن ما ذكروه من تقسيم الصفات اللازمة للموصوف إلى هذه الأقسام الثلاثة تقسيم باطل ، إلا إذا جعل ذلك باعتبار ما في الذهن من الماهية ، لا باعتبار ماهية موجودة في الخارج .
وكذلك ما فرعوه على هذا من أن الإنسان مركب من الجنس والفصل ، فإن هذا التركيب [39] ذهني لا حقيقة له في الخارج ، وتركبه من الحيوان والناطق من جنس تركبه من الحيوان والضاحك ، إذا جعل كل من الصفتين [40] لازما ملزوما ، وأريد الضاحك بالقوة والناطق بالقوة [41] .
وأما إذا قيل : [ في الخارج ] [42] الإنسان مركب من هذا وهذا . فإن أريد به أن الإنسان موصوف بهذا وهذا ، فهذا [43] صحيح ، وكذلك [44] إذا فرق بين الصفات اللازمة للإنسان ، التي لا يكون إنسانا إلا بها ، كالحيوانية والناطقية ، والضاحكية ، وبين ما يعرض لبعض الناس ، كالسواد والبياض ، والعربية والعجمية ، فهذا صحيح .
أما إذا قيل : هو مركب من صفاته اللازمة له ، وهي أجزاء له ، وهي [ ص: 456 ] متقدمة عليه تقدما ذاتيا - فإن الجزء قبل الكل ، والمفرد قبل المركب - ، وأريد بذلك التركيب في الخارج ، فهذا كله تخليط . فإن الصفة تابعة للموصوف ، فكيف تكون متقدمة عليه بوجه من الوجوه ؟
وإذا قيل : هو مركب من الحيوانية والناطقية ، أو من الحيوان والناطق ، فإن أريد أنه مركب من جوهرين قائمين بأنفسهما ، لزم أن يكون في كل موصوف جواهر كثيرة بعدد صفاته ، فيكون في الإنسان جوهر هو جسم ، وجوهر هو حساس ، وجوهر هو نام ، وجوهر هو متحرك بالإرادة ، وجوهر هو ناطق .
ومعلوم أن هذا خطأ ، بل الإنسان جوهر قائم بنفسه موصوف بهذه الصفات ، فيقال : جسم حساس [45] نام متحرك بالإرادة ناطق .
وإن أريد [ به ] [46] أنه مركب من عرضين ، فالإنسان جوهر ، والجوهر لا يتركب من أعراض لاحقة له ، فضلا عن أن تكون سابقة له متقدمة عليه .
وهذا كله قد بسطناه في مواضع ، وإنما كان المقصود هنا أن هؤلاء الفلاسفة كثيرا ما يغلطون في جعل الأمور الذهنية المعقولة في النفس ، فيجعلون ذلك بعينه أمورا موجودة في الخارج ، فأصحاب فيثاغورس القائلون بالأعداد المجردة في الخارج من هنا كان غلطهم [47] ، [ ص: 457 ] وأصحاب أفلاطون الذين أثبتوا المثل الأفلاطونية من \ هنا كان غلطهم [48] ، وأصحاب صاحبه أرسطو الذين أثبتوا جواهر معقولة مجردة في الخارج مقارنة للجواهر الموجودة المحسوسة ، كالمادة والصورة والماهية الزائدة على الوجود في الخارج ، من هنا كان غلطهم [49] .
وهم إذا أثبتوا هذه الماهية ، قيل لهم : أهي في الذهن أم في الخارج ؟ ففي أيهما أثبتوها ظهر غلطهم ، وإذا قالوا : نثبتها مطلقة ، مع قطع النظر [ ص: 458 ] عن هذا ، وهذا أو أعم [50] من هذا وهذا ، قيل : عدم نظر الناظر لا يغير الحقائق عما هي عليه في نفس الأمر : إما في الذهن ، وإما في الخارج .
وما كان أعم منها فهو أيضا في الذهن ; فإنك إذا قدرت ماهية لا في الذهن ، ولا في الخارج لم تكن مقدرا [51] إلا في الذهن . ومعنى ذلك أن هذا التقدير في الذهن ، لا أن الماهية التي قيل : عنها ليست في الذهن - هي في الذهن ، بل الماهية التي تصورها الإنسان في ذهنه يمكنه تقديرها ليست في ذهنه ، مع أن تقديرها ليست في ذهنه هو في ذهنه ، وإن كان تقديرا ممتنعا .
بل يجب الفرق بين الماهية المقيدة بكونها في الذهن ، وبين الماهية المطلقة التي لا تتقدر بذهن ولا خارج ، مع العلم بأن هذه الماهية المطلقة لا تكون أيضا إلا في الذهن ، وإن أعرض الذهن عن كونها في الذهن . فكونها في الذهن شيء ، والعلم بكونها في الذهن شيء آخر .
وهؤلاء يتصورون [52] أشياء ويقدرونها ، وذلك لا يكون إلا في الذهن ، لكن حال ما يتصور الإنسان [ شيئا ] [53] في ذهنه ويقدره ، قد لا يشعر بكونه في الذهن ، كمن رأى الشيء في الخارج ، فاشتغل بالمرئي عن كونه رائيا له . وهذا يشبه ما يسميه بعضهم الفناء ، الذي يفنى بمذكوره عن ذكره ، [ ص: 459 ] وبمحبوبه عن محبته ، وبمعبوده عن عبادته ، ونحو ذلك ، كما يقدر الشيء بخلاف ما هو عليه ، كما إذا قدر أن الجبل من ياقوت ، والبحر من زئبق ، فتقدير الأمور على خلاف ما هي عليه هو تقدير اعتقادات باطلة .
والاعتقادات الباطلة لا [54] تكون إلا في الأذهان ، فمن قدر ماهية لا في الذهن ولا في الخارج ، فهو مثل من قدر موجودا لا واجبا ولا ممكنا ، ولا قديما ولا محدثا ، ولا قائما بنفسه ولا قائما بغيره ، وهذا التقدير في الذهن .
وقد بسطنا الكلام على ذلك لما بينا فساد احتجاج كثير من أهل النظر بالتقديرات الذهنية على الإمكانات الخارجية ، كما يقوله الرازي وغيره : إنا يمكننا أن نقول : الموجود إما داخل العالم ، وإما خارج العالم ، وإما لا داخل العالم ولا خارجه ، وكل [55] موجود إما مباين لغيره وإما محايث له ، وإما لا مباين ومحايث ; فهذا يدل على إمكان القسم الثالث .
وكذلك إذا قلنا : الموجود إما متحيز وإما قائم بالمتحيز ، وإما لا متحيز ، ولا قائم بالمتحيز . وهذا يدل على إمكان القسم [ الثالث ] [56] وهذا غلط ; فإن هذا كقول القائل : الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره ، وإما لا قائم بنفسه ولا بغيره ، فدل على إمكان القسم الثالث ، فإن هذا غلط .
[ ص: 460 ] وكذلك إذا قيل : إما قديم وإما محدث ، وإما لا قديم ولا محدث ، وإما واجب وإما ممكن ، وإما لا واجب ولا ممكن ، وكذلك ما أشبه هذا .
ودخل الغلط على هؤلاء حيث ظنوا أن مجرد تقدير الذهن وفرضه يقتضي إمكان ذلك في الخارج ، وليس كذلك ، بل الذهن يفرض أمورا ممتنعة ، لا يجوز وجودها في الخارج ، ولا تكون تلك التقديرات إلا في الذهن لا في الخارج .
وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر ، ولكن المقصود هنا ذكر ما اختلف فيه الناس من جهة الذم والعقاب ، وبينا أن الحال يرجع إلى أصلين : أحدهما : أن كل ما تنازع فيه الناس : هل يمكن [ كل ] [57] أحد اجتهاد يعرف به الحق ؟ أم [58] الناس ينقسمون إلى قادر على ذلك وغير قادر ؟ .
والأصل الثاني : المجتهد العاجز عن معرفة الصواب : هل يعاقبه الله أم لا يعاقب من اتقى الله ما استطاع وعجز عن معرفة بعض الصواب ؟
وإذا عرف هذان الأصلان ، [59] ما يطعن به فيهم أكثره كذب ، والصدق منه غايته أن يكون ذنبا أو خطأ ، والخطأ مغفور ، والذنب له أسباب متعددة توجب المغفرة ، ولا يمكن أحد فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ جميع ] [60] أن يقطع بأن واحدا منهم فعل من الذنوب ما يوجب النار [ ص: 461 ] لا محالة . وكثير مما يطعن به على أحدهم يكون من محاسنه وفضائله ، فهذا [61] جواب مجمل [62] .
ثم نحن نتكلم على ما ذكرته الرافضة من المطاعن على وجه التفصيل ، كما ذكره أفضل الرافضة في زمنه [63] صاحب هذا الكتاب ، لما ذكر أن صنف كتابا في " المثالب " الكلبي [64] .