فصل
وأما قوله : " وغير [1] حكم الله في المنفيين " .
فالجواب : أن التغيير لحكم الله بما يناقض [2] حكم الله ، مثل إسقاط ما أوجبه الله ، وتحريم ما أحله الله ، والنفي في الخمر كان [3] من باب التعزير الذي يسوغ فيه الاجتهاد ، وذلك أن الخمر لم يقدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حدها لا قدره ولا صفته ، بل جوز فيها [4] الضرب [ ص: 39 ] بالجريد والنعال ، وأطراف الثياب [5] وعثكول النخل [6] . والضرب في حد القذف والزنا إنما يكون بالسوط ، وأما العدد في الخمر [7] فقد ضرب الصحابة أربعين ، وضربوا ثمانين ، وقد ثبت في الصحيح عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " وكل سنة " [8] . والفقهاء لهم في ذلك قولان ، قيل : الزيادة على أربعين حد واجب ، كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين [ عنه ] [9] . وقيل : هو تعزير ، للإمام أن يفعله وأن يتركه بحسب المصلحة ، وهذا قول الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى ، وهو أظهر ، وكان عمر - رضي الله عنه - يحلق في شرب الخمر وينفي أيضا ، وكان هذا من جنس التعزير العارض فيها .
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقتل الشارب في [ الثالثة أو ] الرابعة [10] . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما [11] .
[ ص: 40 ] وقد تنازع العلماء : هل هو منسوخ أو محكم ؟ أو هو من باب التعزير الذي يفعله الإمام إن احتاج إليه ولا يجب ؟ على ثلاثة أقوال ، وعلي - رضي الله عنه - كان يضرب في الحد فوق الأربعين ، وقال : " ما أحد أقيم عليه الحد فيموت ، فأجد في نفسي إلا شارب الخمر ؛ فإنه لو مات لوديته ، فإنه شيء فعلناه برأينا " رواه الشافعي وغيره [12] واستدل الشافعي بهذا على أن الزيادة من باب التعزير الذي يفعل بالاجتهاد ، ثم هذا مبني على مسألة أخرى ، وهو أن من أقيم عليه حد أو تعزير أو قصاص فمات [ ص: 41 ] من ذلك ، هل يضمن ؟ اتفق العلماء على أن الواجب المقدر [ كالحد لا تضمن سرايته ، لأنه واجب عليه ، واختلفوا في المباح ، كالقصاص ، وفي غير المقدر ] [13] كالتعزير ، وضرب الرجل امرأته ، وضرب الرائض للدابة ، والمؤدب للصبي ، على ثلاثة أقوال ، فقيل : لا يضمن في الجميع لأنه مباح ، وهو قول أحمد بن حنبل ومالك فيما أظن [14] . وقيل : يضمن في المباح دون الواجب [ الذي ليس بمقدر ] [15] لأن له تركه ، وهو قول أبي حنيفة ، وقيل : يضمن غير المقدر ، وهو قول الشافعي ، لأن غير المقدر يتبين أنه أخطأ إذا تلف به .


