الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  وأما قوله : " وغير [1] حكم الله في المنفيين " .

                  فالجواب : أن التغيير لحكم الله بما يناقض [2] حكم الله ، مثل إسقاط ما أوجبه الله ، وتحريم ما أحله الله ، والنفي في الخمر كان [3] من باب التعزير الذي يسوغ فيه الاجتهاد ، وذلك أن الخمر لم يقدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حدها لا قدره ولا صفته ، بل جوز فيها [4] الضرب [ ص: 39 ] بالجريد والنعال ، وأطراف الثياب [5] وعثكول النخل [6] . والضرب في حد القذف والزنا إنما يكون بالسوط ، وأما العدد في الخمر [7] فقد ضرب الصحابة أربعين ، وضربوا ثمانين ، وقد ثبت في الصحيح عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " وكل سنة " [8] . والفقهاء لهم في ذلك قولان ، قيل : الزيادة على أربعين حد واجب ، كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين [ عنه ] [9] . وقيل : هو تعزير ، للإمام أن يفعله وأن يتركه بحسب المصلحة ، وهذا قول الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى ، وهو أظهر ، وكان عمر - رضي الله عنه - يحلق في شرب الخمر وينفي أيضا ، وكان هذا من جنس التعزير العارض فيها .

                  وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقتل الشارب في [ الثالثة أو ] الرابعة [10] . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما [11] .

                  [ ص: 40 ] وقد تنازع العلماء : هل هو منسوخ أو محكم ؟ أو هو من باب التعزير الذي يفعله الإمام إن احتاج إليه ولا يجب ؟ على ثلاثة أقوال ، وعلي - رضي الله عنه - كان يضرب في الحد فوق الأربعين ، وقال : " ما أحد أقيم عليه الحد فيموت ، فأجد في نفسي إلا شارب الخمر ؛ فإنه لو مات لوديته ، فإنه شيء فعلناه برأينا " رواه الشافعي وغيره [12] واستدل الشافعي بهذا على أن الزيادة من باب التعزير الذي يفعل بالاجتهاد ، ثم هذا مبني على مسألة أخرى ، وهو أن من أقيم عليه حد أو تعزير أو قصاص فمات [ ص: 41 ] من ذلك ، هل يضمن ؟ اتفق العلماء على أن الواجب المقدر [ كالحد لا تضمن سرايته ، لأنه واجب عليه ، واختلفوا في المباح ، كالقصاص ، وفي غير المقدر ] [13] كالتعزير ، وضرب الرجل امرأته ، وضرب الرائض للدابة ، والمؤدب للصبي ، على ثلاثة أقوال ، فقيل : لا يضمن في الجميع لأنه مباح ، وهو قول أحمد بن حنبل ومالك فيما أظن [14] . وقيل : يضمن في المباح دون الواجب [ الذي ليس بمقدر ] [15] لأن له تركه ، وهو قول أبي حنيفة ، وقيل : يضمن غير المقدر ، وهو قول الشافعي ، لأن غير المقدر يتبين أنه أخطأ إذا تلف به .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية