فصل [1]
قال الرافضي [2] : " وكان قليل المعرفة بالأحكام : أمر [3] برجم حامل ، فقال له علي [4] : إن كان لك عليها سبيل ، فلا سبيل لك على ما في بطنها ، فأمسك ، وقال : لولا علي لهلك عمر " .
والجواب : أن هذه القصة إن كانت صحيحة فلا تخلو من أن [ ص: 42 ] يكون لم يعلم أنها حامل ، فأخبره علي بحملها ، ولا ريب أن الأصل عدم العلم ، عمر ، وهذا أمر لا بد منه مع كل أحد من الأنبياء والأئمة وغيرهم ، وليس هذا من الأحكام الكلية الشرعية . والإمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل ، فعرفه بعض الناس بحالها ، كان هذا من جملة إخباره بأحوال الناس المغيبات ، ومن جنس ما يشهد به عنده الشهود
وإما أن يكون قد غاب عنه كون عمر ، فلما ذكره علي ذكر ذلك ، ولهذا أمسك ، ولو كان رأيه أن الحامل ترجم لرجمها ، ولم يرجع إلى رأي غيره ، وقد مضت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم الحامل لا ترجم الغامدية ، لما قالت : إني حبلى من الزنا ، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اذهبي حتى تضعيه " - في [5] . ولو قدر أنه خفي عليه علم هذه المسألة حتى عرفه ، لم يقدح ذلك فيه ؛ لأن ساس المسلمين وأهل الذمة ، يعطي الحقوق ، ويقيم الحدود ، ويحكم بين الناس كلهم ، وفي زمنه انتشر الإسلام ، وظهر ظهورا لم يكن قبله مثله ، وهو دائما يقضي ويفتي ، ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك ، فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها عمر [6] ، أو كان نسيها فذكرها ، فأي عيب في ذلك ؟ !
[ ص: 43 ] - رضي الله عنه - قد خفي عليه من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضعاف ذلك ، ومنها ما مات ولم يعرفه . وعلي
ثم يقال : - رضي الله عنه - قد بلغ من علمه وعدله ورحمته بالذرية أنه عمر [7] كان لا يفرض للصغير [8] حتى يفطم [9] ، ويقول : يكفيه اللبن ، فسمع امرأة تكره ابنها على الفطام ليفرض له ، فأصبح فنادى في الناس : أن أمير المؤمنين يفرض للفطيم والرضيع [10] . وتضرر الرضيع كان بإكراه أمه لا بفعله هو ، لكن رأى أن يفرض للرضعاء ليمتنع الناس عن إيذائهم [11] . فهذا إحسانه إلى ذرية المسلمين .
ولا ريب أن العقوبة إذا أمكن أن لا يتعدى بها الجاني كان ذلك هو الواجب [12] . ومع هذا فإذا كان الفساد في ترك عقوبة الجاني أعظم من الفساد في عقوبة من لم يجن ، دفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ، كما رمى أهل الطائف بالمنجنيق النبي - صلى الله عليه وسلم - [13] ، مع أن المنجنيق قد يصيب النساء والصبيان .
[ ص: 44 ] وفي الصحيحين أن الصعب بن جثامة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ، فقال : " هم منهم " [14] .
ولو صالت المرأة [15] الحامل على النفوس والأموال المعصومة ، فلم يندفع صيالها إلا بقتلها [16] قتلت ، وإن قتل جنينها .
فإذا قدر أن - رضي الله عنه - ظن أن إقامة الحدود من هذا الباب ، حتى تبين له أنه ليس من هذا الباب عمر بن الخطاب [17] ، لم يكن هذا بأعظم من القتال يوم الجمل وصفين ، الذي أفضى إلى أنواع من الفساد أعظم من هذا ، - رضي الله عنه - كان مع نظره واجتهاده ، لا يظن أن الأمر يبلغ إلى ما بلغ ، ولو علم ذلك لما فعل ما فعل ، كما أخبر عن نفسه . وعلي