الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقد أفرد العلماء مناقب عمر ؛ فإنه لا يعرف في سير الناس كسيرته ، كذلك قال أبو المعالي الجويني ، قال [1] : " ما دار الفلك على شكله ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : كان عمر أحوذيا نسيج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها ، وكانت تقول : زينوا مجالسكم بذكر عمر [2] . وقال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : ابنة [3] صاحب مدين إذ قالت : ( ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) [ سورة القصص : 26 ] وخديجة في النبي - صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر حين استخلف عمر " [4] .

                  وكل هؤلاء العلماء الذين ذكرناهم يعلمون أن عدل عمر كان أتم من عدل من ولي بعده ، وعلمه كان أتم من علم من ولي بعده .

                  [ ص: 55 ] وأما التفاوت [5] بين سيرة عمر وسيرة من ولي بعده فأمر قد عرفته العامة والخاصة ؛ فإنها أعمال ظاهرة ، وسيرة بينة ، يظهر لعمر فيها من حسن النية ، وقصد العدل ، وعدم الغرض ، وقمع الهوى ما لا يظهر من غيره .

                  ولهذا قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " [6] ، لأن الشيطان إنما يستطيل على الإنسان بهواه ، وعمر قمع هواه .

                  وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر [7] " .

                  [ ص: 56 ] وقال : " إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه " [8] .

                  ووافق ربه في غير واحدة نزل فيها القرآن بمثل ما قال .

                  وقال ابن عمر : كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر [9] .

                  وهذا لكمال نفسه بالعلم والعدل ، قال الله - تعالى - : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ سورة الأنعام : 115 ] فالله - تعالى - بعث الرسل بالعلم والعدل ؛ فكل من كان أتم علما وعدلا كان أقرب إلى ما جاءت به الرسل .

                  وهذا كان في عمر أظهر منه في غيره ، وهذا في العمل والعدل ظاهر لكل أحد ، وأما العلم فيعرف برأيه وخبرته بمصالح المسلمين ، وما ينفعهم وما يضرهم في دينهم ودنياهم ، ويعرف بمسائل النزاع التي له فيها قول ولغيره فيها قول ؛ فإن صواب عمر في مسائل النزاع وموافقته للنصوص أكثر من صواب عثمان وعلي .

                  [ ص: 57 ] ولهذا كان أهل المدينة إلى قوله أميل ، ومذهبهم أرجح مذاهب أهل الأمصار ؛ فإنه لم يكن في مدائن الإسلام في القرون الثلاثة أهل مدينة أعلم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ، وهم متفقون على تقديم قول عمر على قول علي .

                  ، وأما الكوفيون ، فالطبقة الأولى منهم أصحاب ابن مسعود يقدمون قول عمر على قول علي ، وأولئك أفضل الكوفيين حتى قضاته [10] شريح وعبيدة السلماني وأمثالهما كانوا يرجحون قول عمر [ وعلي ] على قوله وحده [11] .

                  قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : ما رأيت عمر قط إلا وأنا يخيل لي أن بين عينيه ملكا يسدده [12] . وروى الشعبي عن علي قال : ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر [13] . وقال حذيفة بن اليمان : كان [ ص: 58 ] الإسلام في زمن عمر كالرجل المقبل ، لا يزداد إلا قربا ، فلما قتل كان كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدا ، وقال ابن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر [14] . وقال أيضا : إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ، كان إسلامه نصرا ، وإمارته فتحا [15] .

                  وقال أيضا : كان عمر أعلمنا بكتاب الله ، وأفقهنا في دين الله ، وأعرفنا بالله ، والله لهو أبين من طريق الساعين ، يعني أن هذا أمر بين يعرفه الناس [16]

                  [ ص: 59 ] وقال أيضا عبد الله بن مسعود : لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ، ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح عليهم ، وقال أيضا لما مات عمر : إني لأحسب هذا قد ذهب بتسعة أعشار العلم ، وإني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب مع عمر يوم أصيب [17] .

                  وقال مجاهد : إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا برأيه [18] .

                  وقال أبو عثمان النهدي : إنما كان عمر ميزانا لا يقول كذا ولا يقول كذا [19] .

                  وهذه الآثار وأضعافها مذكورة بالأسانيد الثابتة في الكتب المصنفة في هذا الباب ، ليس من أحاديث الكذابين ، والكتب الموجودة فيها هذه الآثار المذكورة بالأسانيد الثابتة كثيرة جدا .

                  [ ص: 60 ] قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، حدثنا قيس بن أبي حازم ، قال : قال عبد الله بن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر [20] . وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه قال : " اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب " . قال : فغدا عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم يومئذ ، وفي لفظ : " أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك " [21] .

                  وروى النضر عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : لما أسلم عمر قال المشركون : قد انتصف القوم منا [22] .

                  [ ص: 61 ] وروى أحمد بن منيع ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب عن أبي معشر ، عن إبراهيم قال : قال ابن مسعود : كان عمر حائطا حصينا على الإسلام ، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه ، فلما قتل عمر انثلم الحائط ، فالناس اليوم يخرجون منه [23] .

                  وروى ابن بطة بالإسناد [24] المعروف عن الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أم أيمن قالت : وهي الإسلام يوم مات عمر [25] .

                  والثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : كان الإسلام في زمن عمر كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربا ، فلما قتل كان كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدا [26] .

                  [ ص: 62 ] ومن طريق الماجشون ، قال : أخبرني عبد الواحد بن أبي عون ، عن القاسم بن محمد : كانت عائشة - رضي الله عنها - تقول : من رأى عمر بن الخطاب علم أنه خلق غناء للإسلام ، كان والله أحوذيا [27] نسيج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها [28] .

                  وقال محمد بن إسحاق في " السيرة " : " أسلم عمر بن الخطاب ، وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره ، فامتنع به [ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عزوا ، وكان عبد الله بن مسعود يقول : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى ] [29] عند الكعبة وصلينا معه " .

                  وكذلك رواه مسندا محمد بن عبيد الطنافسي ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : قال عبد الله بن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر ، والله لو رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالكعبة ظاهرين ، حتى أسلم عمر فقاتلهم حتى تركونا فصلينا [30] .

                  [ ص: 63 ] وقد روي من وجوه ثابتة عن مكحول ، عن غضيف ، عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول به " . وفي لفظ : " جعل الحق على لسان عمر [31] وقلبه ، أو قلبه ولسانه " وهذا مروي من حديث ابن عمر وأبي هريرة [32] .

                  وقد ثبت من غير وجه عن الشعبي عن علي قال : ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ، ثبت هذا عن الشعبي عن علي ، وهو قد رأى عليا ، وهو من أخبر الناس بأصحابه وحديثه [33] .

                  وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب " [34] .

                  وثبت عن طارق بن شهاب قال : إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذب الكذبة فيقول : احبس هذه ، ثم يحدثه الحديث فيقول : احبس هذه ، فيقول : كل ما حدثتك به حق إلا ما أمرتني أن أحبسه .

                  [ ص: 64 ] وروى ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب " بعث جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية . قال : فبينا عمر [35] يخطب في الناس ، فجعل يصيح على المنبر : يا سارية الجبل ، يا سارية الجبل . قال : فقدم رسول الجيش ، فسأله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لقينا عدونا فهزمونا [36] ، فإذا بصائح : يا سارية الجبل ، يا سارية الجبل . فأسندنا ظهورنا إلى الجبل ، فهزمهم الله . فقيل لعمر بن الخطاب : إنك كنت تصيح بذلك على المنبر " . [37]

                  وفي الصحيحين عن عمر أنه قال : " وافقت ربي في ثلاث . قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ سورة البقرة : 125 ] وقلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، قال : فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه في الغيرة ، فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ، فنزلت كذلك " [38] .

                  وفي الصحيحين أنه لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول [ ص: 65 ] الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه ، قال عمر : فلما قام دنوت إليه ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي عليه وهو منافق ، فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) [ سورة التوبة : 84 ] وأنزل الله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [ سورة التوبة : 80 ] [39] .

                  وثبت عن قيس ، عن طارق بن شهاب ، قال : كنا نتحدث أن عمر يتحدث على لسانه ملك [40] .

                  وعن مجاهد قال : كان عمر إذا رأى الرأي نزل به القرآن .

                  وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت كأن الناس عرضوا علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما هو دون ذلك ، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره " . قالوا [41] : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : " الدين " [42] .

                  وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينا أنا نائم رأيتني [43] أتيت بقدح فشربت منه ، حتى أني لا أرى الري يخرج من [ ص: 66 ] أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب " قالوا : ما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " العلم " [44] .

                  وفي الصحيحين عنه قال : " رأيت كأني أنزع على قليب بدلو ، فأخذها ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ، ثم أخذ عمر بن الخطاب فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه ، حتى ضرب الناس بعطن " [45] .

                  وقال عبد الله بن أحمد : حدثنا الحسن بن حماد ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : " لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم [ خيار ] [46] أهل الأرض في كفة لرجح عليهم بعلمه " . قال الأعمش : فأنكرت ذلك ، وذكرته لإبراهيم ، فقال : ما أنكرت من ذلك ؟ قد قال ما هو أفضل من ذلك ، قال : " إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب مع عمر بن الخطاب " [47] .

                  وروى ابن بطة بالإسناد الثابت عن ابن عيينة وحماد بن سلمة ، وهذا لفظه عن عبد الله بن عمير ، عن زيد بن وهب : أن رجلا أقرأه معقل بن مقرن [ أبو عميرة ] [48] آية ، وأقرأها عمر بن الخطاب آخر ، فسألا ابن مسعود عنها ، فقال لأحدهما : من أقرأكها ؟ قال : أبو عميرة بن معقل بن مقرن . [ ص: 67 ] وقال للآخر : من أقرأكها ؟ قال عمر بن الخطاب . فبكى ابن مسعود حتى كثرت دموعه ، ثم قال : اقرأها كما أقرأكها عمر ؛ فإنه كان أقرأنا لكتاب الله ، وأعلمنا بدين الله ، ثم قال : كان عمر حصنا حصينا [ على الإسلام ] [49] يدخل في الإسلام ولا يخرج منه ، فلما ذهب عمر انثلم الحصن ثلمة لا يسدها [50] أحد بعده ، وكان إذا سلك طريقا اتبعناه ووجدناه سهلا ، فإذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر [ ، فحيهلا بعمر ، فحيهلا بعمر ] [51] . وقال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ، حدثنا هشيم ، حدثنا العوام ، عن مجاهد قال : " إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به " [52] .

                  وروى ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، قال : سمعت خالدا الحذاء يقول : نرى أن الناسخ من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

                  وروى ابن بطة من حديث أحمد بن يحيى الحلواني ، حدثنا عبيد بن جناد ، حدثنا عطاء بن مسلم ، عن صالح المرادي ، عن عبد خير ، قال : رأيت عليا صلى العصر فصف له أهل نجران صفين ، فلما صلى أومأ رجل [ ص: 68 ] منهم إلى رجل ، فأخرج كتابا فناوله إياه ، فلما قرأه دمعت عيناه ، ثم رفع رأسه إليهم فقال : يا أهل نجران - أو يا أصحابي - هذا والله خطي بيدي ، وإملاء عمر علي . فقالوا : يا أمير المؤمنين أعطنا ما فيه ، فدنوت منه فقلت : إن كان رادا على عمر يوما فاليوم يرد عليه ، فقال : لست رادا على عمر شيئا صنعه ، إن عمر كان رشيد الأمر ، وإن عمر أعطاكم خيرا مما أخذ منكم ، وأخذ منكم خيرا مما أعطى ، ولم يجر لعمر نفع مع أخذ لنفسه ، إنما أخذه لجماعة المسلمين [53] .

                  وقد روى أحمد والترمذي وغيرهما ، قال أحمد : حدثنا أبو [54] عبد الرحمن المقري ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بكر بن عمرو المعافري ، عن مشرح بن هاعان [55] ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " [56] .

                  [ ص: 69 ] ورواه ابن وهب وغيره عن ابن لهيعة عن مشرح ، فهو ثابت عنه [57] .

                  وروى ابن بطة من حديث عقبة بن مالك الخطمي ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كان غيري نبي لكان عمر بن الخطاب " . وفي لفظ : " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر " وهذا اللفظ في الترمذي [58] .

                  وقال عبد الله بن أحمد [59] ، حدثنا شجاع بن مخلد ، حدثنا يحيى بن يمان ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن محمد [60] ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر ، فكلم امرأة في بطنها شيطان ، فقالت : حتى يجيء شيطاني فأسأله ، فقال : رأيت عمر متزرا بكساء يهنأ إبل الصدقة [61] ، وذلك [62] لا يراه الشيطان إلا خر لمنخريه [63] للملك الذي بين عينيه ، روح [64] القدس ينطق [65] على لسانه [66] .

                  ومثل هذا في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص ، قال : استأذن عمر [ ص: 70 ] على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن ، فلما استأذن عمر قمن فابتدرن [67] الحجاب ، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك . فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عجبت [68] من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب " . فقال عمر : قلت : يا رسول الله [69] أنت أحق أن يهبن . ثم قال عمر : أي عدوات أنفسهن ، تهبنني ولا تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . [ قلن : نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] [70] . قال رسول الله : " والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " [71] .

                  وفي حديث آخر أن الشيطان يفر من حس عمر [72] .

                  [ ص: 71 ] وقال أحمد بن حنبل : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن واصل ، عن مجاهد قال : كنا نتحدث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر ، فلما قتل عمر وثبت .

                  وهذا باب طويل قد صنف الناس فيه مجلدات في مناقب عمر مثل كتاب أبي الفرج بن الجوزي وعمر بن شبة [73] وغيرهما ، غير ما ذكره الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة العلم ، مثل ما صنفه خيثمة بن سليمان في " فضائل الصحابة " والدارقطني والبيهقي وغيرهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية