الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقول القائل : " إنه قضى في الجد بمائة قضية " .

                  إن صح هذا ، لم يرد به أنه قضى في مسألة واحدة بمائة قول ؛ فإن هذا غير ممكن ، وليس في مسائل الجد نزاع أكثر مما في مسألة الخرقاء [ ص: 98 ] أم وأخت وجد ، والأقوال فيها ستة ، فعلم أن المراد به إن كان صحيحا : أنه قضى في مائة حادثة من حوادث الجد ، وهذا مع أنه ممكن ، لكن لم يخرج قوله عن قولين أو ثلاثة ، وقول علي مختلف أيضا .

                  وأهل الفرائض يعلمون هذا وهذا ، مع [1] أن الأشبه أن هذا كذب ، فإن وجود جد وإخوة في الفريضة قليل جدا في الناس ، وعمر إنما تولى عشر سنين ، وكان قد أمسك عن الكلام في الجد .

                  وثبت عنه في الصحيح أنه قال : " ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بينهن لنا : الجد ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا " [2] . ومن كان متوقفا لم يحكم فيها بشيء .

                  ومما يبين هذا أن الناس إنما نقلوا عن عمر في فريضة واحدة قضاءين . قضى [3] في المشركة ، فروي عنه بالإسناد المذكور في كتب أهل العلم أنه قضى فيها مرة بعدم التشريك ، وهذا قول علي ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في المشهور عنه .

                  وقضى في نظيرها في العام الثاني بالتشريك ، وقال : ذلك على ما قضينا ، وهذا على ما نقضي ، وهذا قول زيد ، وهو قول مالك والشافعي ؛ فإنهما وغيرهما مقلدان لزيد في الفرائض ، وهي رواية حرب ، عن أحمد بن حنبل .

                  وهذا مما استدل به الفقهاء على أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد .

                  [ ص: 99 ] وعلي - رضي الله عنه - يوافق على ذلك ؛ فإنه قد ثبت عنه أنه قال : " كان رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ، ثم قد رأيت أن يبعن " فقال له قاضيه عبيدة السلماني : " رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة " فعلي له في المسألة قولان ، ومعلوم أن ما قضى به في عتقهن ومنع بيعهن هو وعمر لم يكن ينقضه ، وإنما كان يرى أن يستأنف فيما بعد أن يجوز بيعهن .

                  والمسائل التي لعلي فيها قولان وأكثر كثيرة ، ونفس الجد مع الإخوة قد نقل عنه فيها اختلاف كثير .

                  ونقل عنه أنه كان إذا أرسل إليه بعض نوابه يسأله عن قضية في ذلك يأمره فيها باجتهاده ويقول : قطع الكتاب ؛ فإنه - رضي الله عنه - رأى أنه إنما يتكلم فيها بالاجتهاد للضرورة ، وهو مضطر إلى الاجتهاد في هذه المعينة ، وكره أن يقلده غيره من غير اجتهاد منه ، فأمره بتقطيع الكتاب لذلك .

                  بخلاف ما إذا كان معه فيها نص ، فإنه كان يبلغه ، ويأمره بتبليغه ، ولا يأمر بقطع كتابه .

                  والعلماء مختلفون في بيع الكتب التي فيها العلم بالرأي ، هل يجوز [ بيعه وغير ذلك من الأحكام فيه ؟ ] [4] على قولين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية