الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وحينئذ فقول [1] الرافضي : إن عثمان ولى من لا يصلح للولاية . إما أن يكون هذا باطلا ، ولم يول إلا من يصلح . وإما أن يكون ولى من لا يصلح في نفس الأمر ، لكنه كان مجتهدا في ذلك ، فظن أنه كان [2] يصلح وأخطأ [3] ظنه ، وهذا لا يقدح فيه .

                  وهذا الوليد بن عقبة الذي أنكر عليه ولايته قد اشتهر في التفسير [ ص: 240 ] والحديث [ والسير ] [4] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاه على صدقات ناس من العرب ، فلما قرب منهم خرجوا إليه ، فظن أنهم يحاربونه ، فأرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر محاربتهم [ له ] [5] ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسل إليهم جيشا ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) [ سورة الحجرات : 6 ] [6] .

                  فإذا كان حال هذا خفي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لا يخفى على عثمان ؟ !

                  وإذا قيل : إن عثمان ولاه بعد ذلك .

                  فيقال : باب التوبة مفتوح . وقد كان عبد الله بن سعد [ بن أبي سرح ] [7] ارتد عن الإسلام ، ثم جاء تائبا ، وقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - إسلامه وتوبته بعد أن كان أهدر دمه .

                  وعلي - رضي الله عنه - تبين له من عماله ما لم يكن يظنه فيهم . فهذا لا يقدح في عثمان ولا غيره . وغاية ما يقال : إن عثمان ولى من يعلم أن غيره أصلح منه ، وهذا من موارد الاجتهاد .

                  أو يقال : إن محبته لأقاربه ميلته إليهم ، حتى صار يظنهم أحق من [ ص: 241 ] غيرهم ، أو أن ما فعله [8] كان ذنبا ، وقد تقدم [9] أن ذنبه لا يعاقب عليه في الآخرة .

                  وقوله : حتى ظهر من بعضهم الفسق ، ومن بعضهم الخيانة .

                  فيقال : ظهور ذلك بعد الولاية لا يدل على كونه كان ثابتا حين الولاية ، ولا على أن المولي علم ذلك . وعثمان - رضي الله عنه - لما علم أن الوليد بن عقبة شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد . وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل ، ويقيم الحد على من يراه مستحقا لإقامة الحد عليه .

                  وأما قوله : وقسم المال بين أقاربه .

                  فهذا غايته أن يكون ذنبا لا يعاقب عليه في الآخرة ، فكيف إذا كان من موارد الاجتهاد ؟ فإن الناس تنازعوا فيما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته : هل يستحقه ولي الأمر بعده ، على قولين . وكذلك تنازعوا في ولي [10] اليتيم : هل له أن يأخذ من مال اليتيم إذا كان غنيا أجرته مع غناه ، والترك أفضل ، أو الترك واجب ؟ على قولين . ومن جوز الأخذ من مال [11] اليتيم مع الغنى ، جوزه للعامل على بيت مال المسلمين ، وجوزه للقاضي وغيره من الولاة . ومن قال : لا يجوز ذلك من مال اليتيم ، فمنهم من يجوزه من مال [12] بيت المال ، كما يجوز للعامل على الزكاة الأخذ مع الغنى ، فإن العامل على الزكاة يجوز له أخذ جعالته مع غناه .

                  [ ص: 242 ] وولي [13] اليتيم قد قال تعالى فيه : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [ سورة النساء : 6 ] .

                  وأيضا فقد ذهب بعض الفقهاء [14] إلى أن سهم ذوي القربى هو لقرابة الإمام ، كما قاله الحسن وأبو ثور ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي أقاربه بحكم الولاية ، وسقط حق ذوي قرباه بموته . كما يقول ذلك كثير من العلماء كأبي حنيفة وغيره ، ثم لما سقط حقه بموته ، فحقه الساقط قيل : إنه يصرف في الكراع والسلاح والمصالح ، كما كان يفعل أبو بكر وعمر . وقيل : هو لمن ولي الأمر بعده . وقيل : إن هذا مما تأوله عثمان . ونقل [15] عن عثمان - رضي الله عنه - نفسه أنه ذكر هذا ، وأنه يأخذ بعمله ، وأن ذلك جائز . وإن كان ما فعله أبو بكر وعمر أفضل ، فكان له الأخذ بهذا وهذا ، وكان يعطي أقرباءه مما يختص به ، فكان يعطيهم [16] لكونهم ذوي قربى الإمام ، على قول من يقول ذلك .

                  وبالجملة فعامة من تولى الأمر بعد عمر كان يخص بعض أقاربه : إما بولاية ، وإما بمال . وعلي ولى أقاربه أيضا [17] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية