وحينئذ فقول [1] الرافضي : إن عثمان ولى من لا يصلح للولاية . إما أن يكون هذا باطلا ، ولم يول إلا من يصلح . وإما أن يكون ولى من لا يصلح في نفس الأمر ، لكنه كان مجتهدا في ذلك ، فظن أنه كان [2] يصلح وأخطأ [3] ظنه ، وهذا لا يقدح فيه .
وهذا الوليد بن عقبة الذي أنكر عليه ولايته قد اشتهر في التفسير [ ص: 240 ] والحديث [ والسير ] [4] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاه على صدقات ناس من العرب ، فلما قرب منهم خرجوا إليه ، فظن أنهم يحاربونه ، فأرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر محاربتهم [ له ] [5] ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسل إليهم جيشا ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) [ سورة الحجرات : 6 ] [6] .
فإذا كان حال هذا خفي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لا يخفى على عثمان ؟ !
وإذا قيل : إن عثمان ولاه بعد ذلك .
فيقال : باب التوبة مفتوح . وقد كان عبد الله بن سعد [ بن أبي سرح ] [7] ارتد عن الإسلام ، ثم جاء تائبا ، وقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - إسلامه وتوبته بعد أن كان أهدر دمه .
وعلي - رضي الله عنه - تبين له من عماله ما لم يكن يظنه فيهم . فهذا لا يقدح في عثمان ولا غيره . وغاية ما يقال : إن عثمان ولى من يعلم أن غيره أصلح منه ، وهذا من موارد الاجتهاد .
أو يقال : إن محبته لأقاربه ميلته إليهم ، حتى صار يظنهم أحق من [ ص: 241 ] غيرهم ، أو أن ما فعله [8] كان ذنبا ، وقد تقدم [9] أن ذنبه لا يعاقب عليه في الآخرة .
وقوله : حتى ظهر من بعضهم الفسق ، ومن بعضهم الخيانة .
فيقال : ظهور ذلك بعد الولاية لا يدل على كونه كان ثابتا حين الولاية ، ولا على أن المولي علم ذلك . وعثمان - رضي الله عنه - لما علم أن الوليد بن عقبة شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد . وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل ، ويقيم الحد على من يراه مستحقا لإقامة الحد عليه .
وأما قوله : وقسم المال بين أقاربه .
فهذا غايته أن يكون ذنبا لا يعاقب عليه في الآخرة ، فكيف إذا كان من موارد الاجتهاد ؟ فإن الناس تنازعوا فيما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته : هل يستحقه ولي الأمر بعده ، على قولين . وكذلك تنازعوا في ولي [10] اليتيم : هل له أن يأخذ من مال اليتيم إذا كان غنيا أجرته مع غناه ، والترك أفضل ، أو الترك واجب ؟ على قولين . ومن جوز الأخذ من مال [11] اليتيم مع الغنى ، جوزه للعامل على بيت مال المسلمين ، وجوزه للقاضي وغيره من الولاة . ومن قال : لا يجوز ذلك من مال اليتيم ، فمنهم من يجوزه من مال [12] بيت المال ، كما يجوز للعامل على الزكاة الأخذ مع الغنى ، فإن العامل على الزكاة يجوز له أخذ جعالته مع غناه .
[ ص: 242 ] وولي [13] اليتيم قد قال تعالى فيه : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [ سورة النساء : 6 ] .
وأيضا فقد ذهب بعض الفقهاء [14] إلى أن سهم ذوي القربى هو لقرابة الإمام ، كما قاله الحسن وأبو ثور ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي أقاربه بحكم الولاية ، وسقط حق ذوي قرباه بموته . كما يقول ذلك كثير من العلماء كأبي حنيفة وغيره ، ثم لما سقط حقه بموته ، فحقه الساقط قيل : إنه يصرف في الكراع والسلاح والمصالح ، كما كان يفعل أبو بكر وعمر . وقيل : هو لمن ولي الأمر بعده . وقيل : إن هذا مما تأوله عثمان . ونقل [15] عن عثمان - رضي الله عنه - نفسه أنه ذكر هذا ، وأنه يأخذ بعمله ، وأن ذلك جائز . وإن كان ما فعله أبو بكر وعمر أفضل ، فكان له الأخذ بهذا وهذا ، وكان يعطي أقرباءه مما يختص به ، فكان يعطيهم [16] لكونهم ذوي قربى الإمام ، على قول من يقول ذلك .
وبالجملة فعامة من تولى الأمر بعد عمر كان يخص بعض أقاربه : إما بولاية ، وإما بمال . وعلي ولى أقاربه أيضا [17] .


