الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال ، حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش ، زوجهم بناته ، أربعمائة ألف دينار [1] ، ودفع إلى مروان ألف ألف دينار " .

                  فالجواب : [ أولا ] [2] أن يقال : أين النقل الثابت بهذا ؟ نعم كان يعطي أقاربه عطاء كثيرا ، ويعطي غير أقاربه أيضا ، وكان محسنا إلى جميع المسلمين . وأما هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثابت [3] .

                  [ ص: 250 ] ثم يقال ثانيا : هذا من الكذب البين ، فإنه لا عثمان ولا غيره من الخلفاء الراشدين أعطوا أحدا ما يقارب هذا المبلغ . ومن المعلوم أن معاوية كان يعطي [4] من يتألفه أكثر من عثمان . ومع هذا فغاية ما أعطى الحسن بن علي مائة ألف أو ثلاثمائة ألف [ درهم ] [5] . وذكروا أنه لم يعط أحدا قدر هذا قط .

                  نعم كان عثمان يعطي بعض أقاربه ما يعطيهم من العطاء الذي أنكر عليه ، وقد تقدم تأويله في ذلك ، والجواب العام يأتي على ذلك ، فإنه كان له تأويلان في إعطائهم ، كلاهما مذهب طائفة من الفقهاء : أحدهما : أنه ما أطعم الله لنبي طعمة إلا كانت طعمة لمن يتولى الأمر بعده ، وهذا مذهب طائفة من الفقهاء ، ورووا في ذلك حديثا معروفا مرفوعا [6] ، وليس هذا موضع بسط الكلام في جزئيات المسائل .

                  وقالوا : [ إن ] [7] ذوي القربي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذوو قرباه ، وبعد موته هم ذوو قربى من يتولى الأمر بعده . وقالوا : إن أبا بكر وعمر لم يكن لهما [8] أقارب كما كان لعثمان ، فإن بني عبد شمس من أكبر قبائل قريش ، ولم يكن من يوازيهم إلا بنو مخزوم . والإنسان مأمور بصلة رحمه من ماله ، فإذا اعتقدوا أن ولي الأمر يصله من مال بيت المال مما جعله الله لذوي القربى ، استحقوا بمثل هذا أن يوصلوا من [ ص: 251 ] بيت المال ما يستحقونه ، لكونهم أولي قربى الإمام . وذلك أن نصر ولي الأمر والذب عنه متعين ، وأقاربه ينصرونه ويذبون عنه ما لا يفعله غيرهم .

                  وبالجملة ، فلا بد لكل ذوي أمر [9] من أقوام يأتمنهم على نفسه ، ويدفعون عنه من يريد ضرره . فإن لم يكن الناس مع إمامهم كما كانوا مع أبي بكر وعمر ، احتاج الأمر إلى بطانة يطمئن إليهم ، وهم لا بد لهم من كفاية . فهذا أحد التأويلين .

                  والتأويل الثاني : أنه كان يعمل في المال . وقد قال الله تعالى : ( والعاملين عليها ) [ سورة التوبة : 60 ] . والعامل على الصدقة الغني له [10] أن يأخذ بعمالته باتفاق المسلمين .

                  والعامل في مال اليتيم قد قال الله تعالى فيه : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [ سورة النساء : 6 ] . وهل الأمر للغني بالاستعفاف أمر إيجاب أو أمر استحباب ؟ على قولين .

                  ( 3 وولي بيت المال وناظر الوقف هل هو كعامل الصدقة 3 ) [11] ( * أو كولي اليتيم ؟ على قولين . وإذا جعل ولي الأمر كعامل الصدقة استحق مع الغنى * ) [12] . وإذا جعل كولي اليتيم [13] ففيه القولان . فهذه ثلاثة أقوال ، وعثمان على قولين : كان له الأخذ مع الغنى . وهذا مذهب الفقهاء ، ليست كأغراض الملوك التي لم يوافق عليها أحد من أهل العلم .

                  [ ص: 252 ] ومعلوم أن هذه التأويلات إن كانت مطابقة فلا كلام ، وإن كانت مرجوحة [14] فالتأويلات في الدماء التي جرت من علي ليست بأوجه منها . والاحتجاج لهذه الأقوال أقوى [15] من الاحتجاج لقول من رأى القتال .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية