الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " إنه ضيع حدود الله ، فلم يقتل عبيد الله [1] بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين بعد إسلامه ، وكان أمير المؤمنين يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه ، فلحق بمعاوية [2] . وأراد أن يعطل حد الشرب في الوليد بن عقبة ، حتى حده أمير المؤمنين . وقال : لا تبطل حدود [3] الله وأنا حاضر " .

                  فالجواب : أما قوله : " إن الهرمزان كان مولى علي " فمن الكذب الواضح ، فإن الهرمزان كان من الفرس الذين استنابهم كسرى على قتال المسلمين ، فأسره المسلمون ، وقدموا به على عمر ، [ ص: 277 ] [ فأظهر الإسلام ] [4] ، فمن [5] عليه عمر وأعتقه ، فإن كان عليه ولاء فهو للمسلمين ، وإن كان الولاء لمن باشر العتق فهو لعمر ، وإن لم يكن عليه ولاء ، بل هو كالأسير إذا [ من عليه فلا ولاء عليه ، فإن العلماء تنازعوا في الأسير إذا ] [6] أسلم : هل يصير رقيقا بإسلامه ؟ أم يبقى حرا يجوز المن عليه والمفاداة كما كان قبل الإسلام ؟ مع اتفاقهم على أنه عصم بالإسلام دمه .

                  وفي المسألة قولان مشهوران ، هما قولان في مذهب أحمد وغيره .

                  وليس لعلي سعي [ لا ] [7] في استرقاقه ولا في إعتاقه . ولما قتل عمر [ بن الخطاب - رضي الله عنه - ] كان [8] الذي قتله أبو لؤلؤة الكافر المجوسي مولى المغيرة [ بن شعبة ] [9] ، وكان بينه وبين الهرمزان مجانسة ، وذكر لعبيد الله بن عمر أنه رؤي عند الهرمزان [ حين قتل عمر ] [10] فكان [11] ممن اتهم بالمعاونة على قتل عمر .

                  وقد قال [ عبد الله ] [12] بن عباس لما قتل عمر ، وقال له عمر : قد [13] كنت [ ص: 278 ] أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة [14] . فقال إن شئت أن نقتلهم . فقال : " كذبت ، أما [ بعد ] إذ تكلموا [15] بلسانكم ، وصلوا إلى قبلتكم [16] " .

                  فهذا ابن عباس وهو أفقه من عبيد الله [ بن عمر ، وأدين وأفضل ] [17] بكثير يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقا الذين كانوا بالمدينة ، لما اتهموهم بالفساد اعتقد جواز مثل هذا ، فكيف لا يعتقد عبد الله [ جواز ] [18] قتل الهرمزان ؟ فلما استشار عثمان الناس [19] في قتله ، فأشار عليه طائفة من الصحابة أن لا تقتله ، فإن أباه قتل بالأمس ويقتل هو اليوم ، فيكون في هذا فساد في الإسلام ، وكأنهم وقعت لهم شبهة في عصمة الهرمزان ، وهل كان [20] من الصائلين الذين كانوا يستحقون الدفع ؟ أو من المشاركين في قتل عمر الذين يستحقون القتل ؟

                  و [ قد ] تنازع الفقهاء في [21] المشتركين في القتل إذا باشر بعضهم دون [ ص: 279 ] بعض . فقيل : لا يجب القود إلا على المباشر خاصة . وهو قول أبي حنيفة . وقيل : إذا كان السبب قويا وجب على المباشر والمتسبب كالمكره والمكره ، وكالشهود بالزنا والقصاص إذا رجعوا وقالوا : تعمدنا . وهذا مذهب الجمهور كمالك والشافعي وأحمد . ثم إذا أمسك واحد وقتله الآخر ، فمالك يوجب القود على الممسك والقاتل [22] ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد . والرواية الأخرى : يقتل القاتل ويحبس [23] الممسك حتى يموت ، كما روي عن ابن عباس . وقيل : لا قود إلا على القاتل ، كقول أبي حنيفة والشافعي .

                  وقد تنازعوا أيضا في الآمر الذي لم يكره ، إذا أمر من يعتقد أن القتل محرم ، هل يجب القود على الآمر ؟ على قولين .

                  وأما الردء فيما يحتاج فيه إلى المعاونة كقطع الطريق ، فجمهورهم على أن الحد يجب على الردء والمباشر جميعا . وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد . وكان عمر [ بن الخطاب ] [24] يأمر بقتل الربيئة [25] وهو الناطور [26] لقطاع الطريق .

                  [ ص: 280 ] وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر جاز قتله في أحد القولين قصاصا . وعمر هو القائل في المقتول بصنعاء : " لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم به " .

                  وأيضا فقد تنازع الناس في قتل الأئمة : هل يقتل قاتلهم حدا أو قصاصا ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره . أحدهما : أنهم يقتلون حدا ، كما يقتل القاتل في المحاربة حدا ، لأن قتل الأئمة فيه فساد عام أعظم من فساد قطاع الطريق ، فكان قاتلهم محاربا لله ورسوله ، ساعيا في الأرض فسادا . وعلى هذا خرجوا فعل الحسن بن علي - رضي الله عنهما - لما قتل ابن ملجم قاتل علي ، وكذلك قتل قتلة عثمان .

                  وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض المحاربين ، فيجب قتله لذلك . ولو قدر أن المقتول معصوم [ الدم ] يحرم قتله [27] ، [ لكن ] [28] كان القاتل متأولا يعتقد [29] حل قتله لشبهة ظاهرة ، صار ذلك شبهة تدرأ القتل عن القاتل . كما أن أسامة بن زيد لما قتل [ ذلك ] [30] الرجل بعدما قال : لا إله إلا الله ، واعتقد أن هذا القول لا يعصمه ، عزره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكلام ، ولم يقتله لأنه كان متأولا ، لكن الذي قتله أسامة كان مباحا قبل القتل ، فشك في العاصم .

                  [ ص: 281 ] وإذا كان عبيد الله بن عمر متأولا يعتقد أن الهرمزان أعان على قتل أبيه ، وأنه يجوز له قتله ، صارت هذه شبهة يجوز أن يجعلها المجتهد مانعة من وجوب القصاص ، فإن مسائل القصاص فيها مسائل كثيرة اجتهادية .

                  وأيضا فالهرمزان لم يكن له أولياء يطلبون دمه [31] وإنما وليه ولي الأمر . ومثل هذا إذا قتله قاتل كان للإمام قتل قاتله ، لأنه وليه ، وكان له العفو عنه [ إلى الدية لئلا تضيع حقوق المسلمين ] [32] . فإذا [33] قدر أن عثمان عفا عنه ، ورأى قدر الدية أن يعطيها لآل عمر ، لما كان على عمر من الدين ، فإنه كان عليه ثمانون ألفا ، وأمر أهله أن يقضوا دينه من أموال عصبته [34] عاقلته بني عدي وقريش ، فإن عاقلة الرجل هم الذين يحملون كله ، والدية لو طالب بها عبيد الله ، أو عصبة عبيد الله إذا كان قتله خطأ [ أو عفا عنه إلى الدية ] [35] فهم الذين يؤدون دين عمر ، فإذا [36] أعان بها في دين عمر كان هذا من محاسن عثمان التي يمدح بها لا يذم .

                  وقد كانت أموال بيت المال في زمن عثمان كثيرة ، وكان يعطي الناس عطاء كثيرا أضعاف هذا ، فكيف لا يعطي هذا لآل عمر ؟

                  [ ص: 282 ] وبكل حال فكانت مسألة اجتهادية [37] ، وإذا كانت مسألة اجتهادية ، وقد رأى طائفة كثيرة [38] من الصحابة أن لا يقتل ، ورأى آخرون أن يقتل ، لم ينكر على عثمان ما فعله باجتهاده ، ولا على علي ما قاله [39] باجتهاده [40] .

                  وقد ذكرنا تنازع العلماء في [ قتل [41] ] الأئمة : هل هو من باب الفساد الذي يجب قتل صاحبه حتما ، كالقاتلين لأخذ المال ؟ أم قتلهم كقتل الآحاد الذين يقتل أحدهم الآخر لغرض خاص فيه ، فيكون على قاتل أحدهم القود ؟ وذكرنا في ذلك قولين ، وهما قولان في مذهب أحمد وغيره ، وذكرهما [42] القاضي أبو يعلى وغيره .

                  فمن قال : إن قتلهم حد . قال : إن جنايتهم توجب [ من ] [43] الفتنة والفساد أكثر مما يوجبه جناية [ بعض ] [44] قطاع الطريق لأخذ المال ، فيكون قاتل الأئمة من المحاربين لله ورسوله ، الساعين في الأرض فسادا .

                  ويدل على ذلك ما رواه مسلم [ في صحيحه ] [45] عن النبي - صلى الله [ ص: 283 ] عليه وسلم - أنه قال : " من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان " [46] .

                  فأمر بقتل الواحد المريد لتفريق [47] الجماعة ، ومن قتل إمام المسلمين فقد فرق جماعتهم .

                  ومن قال هذا قال : إن قاتل عمر يجب قتله حتما ، وكذلك قتلة عثمان يجب قتلهم حتما ، [ وكذلك قاتل علي يجب قتله حتما ] [48] .

                  وبهذا يجاب عن ابنه الحسن بن علي [49] وغيره من يعترض عليهم ، فنقول [50] : كيف قتلوا قاتل علي ، وكان في ورثته صغار وكبار ، والصغار لم يبلغوا ؟

                  فيجاب عن الحسن بجوابين : أحدهما : أن قتله كان واجبا حتما ، لأن قتل علي وأمثاله من أعظم المحاربة لله ورسوله والفساد في الأرض .

                  ومنهم من يجيب بجواز انفراد الكبار بالقود ، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين .

                  وإذا كان قتل عمر وعثمان وعلي ونحوهم من باب المحاربة ، فالمحاربة يشترك فيها الردء والمباشر عند الجمهور . فعلى هذا من أعان [ ص: 284 ] على قتل عمر ، [ ولو بكلام ، وجب قتله . وكان الهرمزان ممن ذكر عنه أنه أعان على قتل عمر بن الخطاب ] [51] .

                  وإذا كان الأمر كذلك كان قتله واجبا ، ولكن كان قتله إلى الأئمة ، فافتات عبيد الله بقتله ، وللإمام أن يعفو عمن افتات عليه .

                  وأما قوله : إن عليا كان يريد قتل [52] عبيد الله بن عمر . فهذا لو صح كان قدحا في علي .

                  والرافضة لا عقول لهم [53] ، يمدحون بما هو إلى الذم أقرب ; فإنها مسألة اجتهاد ، وقد حكم حاكم بعصمة الدم ، فكيف يحل لعلي نقضه ؟ وعلي ليس ولي المقتول ، ولا طلب ولي المقتول القود . وإذا كان حقه لبيت المال ، فللإمام أن يعفو عنه . وهذا مما يذكر في عفو عثمان ، وهو أن الهرمزان لم يكن له عصبة إلا السلطان ، وإذا قتل من لا ولي له ، كان للإمام أن يقتل قاتله ، وله أن لا يقتل قاتله ، ولكن يأخذ الدية ، [ والدية حق للمسلمين ] [54] ، فيصرفها في مصارف الأموال . وإذا ترك لآل عمر دية مسلم ، كان هذا بعض ما يستحقونه على المسلمين .

                  وبكل حال فلم يكن بعد عفو عثمان وحكمه بحقن دمه يباح قتله [55] [ ص: 285 ] أصلا . وما أعلم في هذا نزاعا بين المسلمين ، فكيف يجوز أن ينسب إلى علي مثل ذلك ؟

                  ثم يقال : يا ليت شعري متى عزم [ علي ] على [56] قتل عبيد الله ؟ ومتى تمكن علي من قتل عبيد الله ؟ أو متى تفرغ له حتى ينظر في أمره ؟

                  وعبيد الله كان معه ألوف مؤلفة من المسلمين مع معاوية ، وفيهم خير من عبيد الله بكثير . وعلي لم يمكنه عزل معاوية ، وهو عزل مجرد . أفكان يمكنه قتل عبيد الله ؟ !

                  ومن حين مات عثمان تفرق الناس ، وعبد الله [57] بن عمر الرجل الصالح لحق بمكة ، ولم يبايع أحدا ، ولم يزل معتزل الفتنة حتى اجتمع الناس على معاوية ، مع محبته لعلي ، ورؤيته له أنه هو المستحق للخلافة ، وتعظيمه له ، وموالاته له ، وذمه لمن يطعن عليه . ولكن كان لا يرى الدخول في القتال بين المسلمين ، ولم يمتنع عن موافقة علي إلا في القتال .

                  وعبيد الله بن عمر لحق معاوية [58] بعد مقتل عثمان ، كما لحقه غيره ممن كانوا يميلون إلى عثمان وينفرون عن علي . ومع هذا فلم يعرف لعبيد الله من القيام في الفتنة ما عرف لمحمد بن أبي بكر ، والأشتر النخعي وأمثالهما ، فإنه بعد القتال وقع الجميع في الفتنة . وأما قبل مقتل عثمان فكان أولئك ممن أثار الفتنة بين المسلمين .

                  [ ص: 286 ] ومن العجب أن دم الهرمزان المتهم بالنفاق ، والمحاربة لله ورسوله ، والسعي في الأرض بالفساد ، تقام فيه القيامة ، ودم عثمان يجعل لا حرمة له ، وهو إمام المسلمين ، المشهود له بالجنة ، الذي هو - وإخوانه - أفضل الخلق بعد النبيين !

                  ومن المعلوم بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء ، وأصبر الناس على من نال [59] من عرضه ، وعلى من سعى في دمه فحاصروه وسعوا [60] في قتله ، وقد عرف إرادتهم لقتله ، وقد جاءه المسلمون من كل ناحية ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم ، وهو يأمر الناس بالكف عن القتال ، ويأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم . وروي أنه قال لمماليكه : من كف يده فهو حر . وقيل له : تذهب إلى مكة ؟ فقال : لا أكون ممن ألحد في الحرم . فقيل له : تذهب إلى الشام ؟ فقال : لا أفارق دار هجرتي . فقيل له : فقاتلهم . فقال : لا أكون أول من خلف محمدا في أمته بالسيف .

                  فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين . ومعلوم أن الدماء الكثيرة التي سفكت باجتهاد علي [ ومن قاتله ] [61] لم يسفك قبلها مثلها من دماء المسلمين . فإذا كان ما فعله علي مما لا يوجب القدح في علي ، بل [ كان ] [62] دفع الظالمين لعلي من الخوارج وغيرهم من النواصب [ ص: 287 ] القادحين في علي واجبا ، فلأن يجب [63] دفع الظالمين [ القادحين ] [64] في عثمان بطريق الأولى والأحرى ، إذ كان [65] بعد عثمان عن استحلال دماء المسلمين أعظم من بعد علي عن ذلك بكثير كثير [66] ، وكان من قدح في عثمان بأنه كان يستحل إراقة دماء المسلمين بتعطيل الحدود ، كان قد طرق من القدح في علي ما هو أعظم من هذا ، وسوغ لمن أبغض عليا [ وعاداه وقاتله ] [67] أن يقول : إن عليا عطل الحدود الواجبة على قتلة عثمان . وتعطيل تلك الحدود إن كانت واجبة أعظم فسادا من تعطيل حد وجب بقتل الهرمزان .

                  وإذا كان من الواجب [68] الدفع عن علي بأنه كان معذورا [69] باجتهاد أو عجز ، فلأن يدفع عن عثمان بأنه كان معذورا بطريق الأولى .

                  وأما قوله : " أراد عثمان تعطيل حد الشرب في الوليد بن عقبة ، حتى حده أمير المؤمنين " .

                  فهذا كذب عليهما ، بل عثمان هو الذي أمر عليا بإقامة الحد عليه ، [ ص: 288 ] كما ثبت [ ذلك ] [70] في الصحيح [71] ، وعلي خفف عنه وجلده [72] أربعين ، ولو جلده ثمانين لم ينكر عليه عثمان .

                  وقول الرافضي : " إن عليا قال : لا يبطل حد الله [73] وأنا حاضر " فهو كذب . وإن كان صدقا فهو من أعظم المدح لعثمان ; فإن عثمان قبل قول علي ولم يمنعه من إقامة الحد ، مع قدرة عثمان على منعه لو أراد ، فإن عثمان كان إذا أراد شيئا فعله ، ولم يقدر علي على منعه . وإلا [ ص: 289 ] فلو كان [ علي ] [74] قادرا على منعه مما فعله من الأمور التي أنكرت عليه ولم يمنعه مما هو عنده منكر مع قدرته ، كان هذا قدحا في علي . فإذا كان عثمان أطاع عليا فيما أمره به من إقامة الحد ، دل ذلك [75] على دين عثمان وعدله .

                  وعثمان ولى الوليد بن عقبة هذا على الكوفة ، وعندهم أن هذا لم يكن يجوز . فإن كان حراما وعلي قادر على منعه ، وجب على علي منعه ، فإذا لم يمنعه دل على جوازه عند علي ، أو على عجز علي . وإذا عجز عن منعه عن [76] الإمارة ، فكيف لا يعجز عن ضربه الحد ؟ فعلم أن عليا كان عاجزا عن حد الوليد ، لولا أن عثمان أراد ذلك ، فإذا أراده عثمان دل على دينه .

                  وقائل هذا يدعي أن الحدود ما زالت تبطل وعلي حاضر ، حتى في ولايته يدعون [77] أنه كان يدع الحدود خوفا وتقية . فإن [78] كان قال هذا ولم يقله إلا لعلمه بأن عثمان وحاشيته يوافقونه على إقامة الحدود ، وإلا فلو كان يتقي منهم لما قال هذا . ولا يقال : إنه كان أقدر منهم على ذلك ، فإن قائل هذا يدعي أنه كان عاجزا لا يمكنه إظهار الحق بينهم [79] .

                  [ ص: 290 ] ودليل هذا أنه لم يمكنه عندهم إقامة الحد على عبيد الله بن عمر وعلى نواب عثمان وغيرهم .

                  والرافضة تتكلم بالكلام المتناقض الذي ينقض بعضه بعضا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية