وأما [1] إلى التنازع والتشاجر " . قوله : " إنه إذا لم يكن كذلك أدى
فيقال : النصوص التي تدل على استحقاقه الإمامة وتعلم دلالتها بالنظر والاستدلال ، يحصل بها المقصود في الأحكام ، فليست كل الأحكام منصوصة نصا جليا يستوي في فهمه العام والخاص [2] . فإذا كانت الأمور الكلية التي تجب معرفتها في كل زمان يكتفى فيها بهذا النص ، فلأن يكتفى بذلك في القضية الجزئية ، وهو تولية إمام معين ، بطريق الأولى والأحرى . فإنا قد بينا أن الكليات يمكن نص الأنبياء عليها ، بخلاف الجزئيات .
وأيضا فيه إذا كانت الأدلة ظاهرة في أن بعض الجماعة أحق بها من غيره استغنى بذلك عن [3] استخلافه .
والدلائل الدالة على أن كان أحقهم بالإمامة ظاهرة بينة ، لم [ ص: 446 ] ينازع فيها أحد من الصحابة ، ومن نازع من أبا بكر الأنصار لم ينازع في أن [4] أفضل أبا بكر المهاجرين ، وإنما طلب أن يولى واحد من الأنصار مع واحد من المهاجرين .
فإن قيل : إن كان لهم [5] هوى منعوا ذلك بدلالة النصوص .
قيل : وإذا كان لهم هوى عصوا تلك النصوص وأعرضوا عنها ، كما ادعيتم أنتم عليهم ، فمع قصدهم القصد الحق يحصل المقصود بهذا وبهذا ، ومع العناد لا ينفع هذا ولا هذا .
وجواب سادس : أن يقال : النص على الأحكام على وجهين : نص كلي [6] عام يتناول أعيانها ، ونص على الجزئيات .
فإذا قلتم : لا بد من النص على الإمام . إن أردتم النص على [7] العام الكلي : [ على ] [8] ما يشترط للإمام ، وما يجب عليه ، وما يجب له ، كالنص على الحكام والمفتين والشهود وأئمة الصلاة والمؤذنين وأمراء الجهاد ، وغير هؤلاء ممن يتقلد شيئا من أمور المسلمين - فهذه النصوص [9] ثابتة - ولله الحمد - كثيرة [10] ، كما هي ثابتة على سائر الأحكام .
وإن قلتم : لا بد من نص على أعيان من يتولى .
[ ص: 447 ] قيل : قد تقدم أن النص على جزئيات الأحكام لا يجب ، بل ولا يمكن . والإمامة حكم من الأحكام ، فإن النص على كل من يتولى على المسلمين ولاية ما إلى [11] قيام الساعة غير ممكن ولا واقع . والنص على معين دون معين لا يحصل به النص على كل معين ، بل يكون نصا [12] على بعض المعينين .
وحينئذ فإذا قيل : يمكن النص على إمام ، ويفوض إليه [13] النص على من يستخلفه .
[ قيل : ويمكن أن ينص على من يستخلفه ] [14] الإمام ، وعلى من يتخذه وزيرا ، والنص على ذلك أبلغ في المقصود .
وأيضا فالإمام المنصوص على عينه : أهو [15] معصوم فيمن يوليه أو ليس بمعصوم ؟ فإن كان معصوما لزم أن يكون نوابه كلهم معصومين . وهذا كله [16] باطل بالضرورة . وإن لم يكن كذلك أمكن أن يستخلف [17] غير معصوم ، فلا يحصل المقصود في سائر الأزمنة بوجود المعصوم .
فإن قيل : هو معصوم فيمن يستخلفه بعده ، دون من يستخلفه في حياته .
[ ص: 448 ] قيل : الحاجة داعية [18] إلى العصمة في كليهما [19] ، وعلمه بالحاضر أعظم من علمه بالمستقبل ، فكيف يكون معصوما فيما يأتي ، وليس معصوما في الحاضر ؟
فإن قيل : فالنص ممكن ، فلو نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على خليفة . قيل : فنصه على خليفة بعده كتولية واحد في حياته ، ونحن لا نشترط العصمة لا [20] في هذا ولا في هذا .