الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثاني عشر : أنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير ، خلفا عن سلف ، أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار ، والأمر بموالاة المؤمنين ; لما كان بعض المنافقين ، كعبد الله بن أبي ، يوالي اليهود ، ويقول : إني أخاف الدوائر . فقال بعض المؤمنين ، وهو [1] عبادة بن الصامت : إني [ ص: 19 ] يا رسول الله ، [2] أتولى الله ورسوله ، وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف [3] هؤلاء الكفار وولايتهم .

                  ولهذا لما جاءتهم بنو قينقاع وسبب تآمرهم عبد الله بن أبي بن سلول ، فأنزل الله هذه الآية ، يبين فيها وجوب موالاة المؤمنين عموما ، وينهى عن موالاة الكفار عموما . وقد تقدم كلام الصحابة والتابعين أنها عامة لا تختص بعلي [4] .

                  الوجه الثالث عشر : أن سياق الكلام يدل على ذلك لمن تدبر القرآن ، فإنه [5] قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) [ سورة المائدة : 51 ] . فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى .

                  ثم قال : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ) إلى قوله : ( فأصبحوا خاسرين ) [ سورة المائدة : 52 - 53 ] . فهذا وصف الذين في قلوبهم مرض ، الذين يوالون الكفار كالمنافقين .

                  ثم قال : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم [ ص: 20 ] ) [ سورة المائدة : 54 ] [6] فذكر فعل [7] المرتدين وأنهم لن يضروا الله شيئا ، وذكر من يأتي به بدلهم [8] .

                  ثم قال : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) [ سورة المائدة : 55 - 56 ] .

                  فتضمن هذا الكلام ذكر أحوال من دخل في الإسلام من المنافقين ، وممن يرتد عنه ، وحال المؤمنين الثابتين عليه ظاهرا وباطنا .

                  فهذا السياق ، مع إتيانه أتى بصيغة الجمع ، مما يوجب لمن تدبر ذلك [9] علما يقينا لا يمكنه دفعه عن نفسه : أن الآية عامة في كل المؤمنين المتصفين بهذه الصفات ، لا تختص بواحد بعينه : لا أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ، ولا غيرهم . لكن هؤلاء أحق الأمة بالدخول فيها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية