الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي : [1] " المنهج الثالث في الأدلة المستندة [2] . إلى السنة المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي اثنا عشر .

                  الأول : ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ سورة الشعراء : 214 ] جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب في دار أبي طالب [3] ، وهم أربعون رجلا وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة [4] . مع مد من البر [5] . ويعد لهم [ ص: 298 ] صاع [6] . من اللبن ، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد ، ويشرب الفرق [7] . من الشراب في ذلك المقام ، فأكلت الجماعة كلهم [8] . من ذلك [ الطعام ] [9] . اليسير حتى شبعوا ، ولم يتبين ما أكلوه [10] . ، فبهرهم [ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] بذلك [11] . ، وتبين لهم آية نبوته [12] . ، فقال [13] . : يا بني عبد المطلب ، إن الله بعثني [ بالحق ] [14] . إلى الخلق كافة ، وبعثني إليكم خاصة ، فقال : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ، ثقيلتن في الميزان ، تملكون بهما ) [15] . العرب والعجم ، وتنقاد [16] . لكم بهما [17] . الأمم ، وتدخلون بهما الجنة ، وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فمن يجبني إلى هذا الأمر ، ويؤازرني على القيام به يكن [ ص: 299 ] أخي ووزيري ، ووصيي [18] . ووارثي ، وخليفتي من بعدي . فلم يجبه أحد منهم . فقال أمير المؤمنين : أنا يا رسول الله أؤازرك [19] . على هذا الأمر . فقال : اجلس . ثم أعاد القول على القوم ثانية [20] . فصمتوا . فقال علي : فقمت [21] . فقلت مثل مقالتي الأولى ، فقال : اجلس ، ثم أعاد القول ثالثة [22] . ، فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقمت فقلت : أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر . فقال : اجلس فأنت أخي ووزيري . ووصيي [23] . ووارثي ، وخليفتي من بعدي . فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : ليهنئك [24] . اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميرا [25] . عليك " .

                  والجواب من وجوه : الأول : المطالبة بصحة النقل . وما ادعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث [26] . ، فإن هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل : لا في الصحاح ولا في المساند ) [27] . والسنن والمغازي والتفسير التي [ ص: 300 ] يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به [28] . ، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها [29] . الصحيح والضعيف ، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي ، بل وابن جرير وابن أبي حاتم ، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلا على صحته باتفاق أهل العلم ; فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف ، فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف .

                  وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض [30] . كتب التفسير التي فيها الغث والسمين ، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة ، مع أن كتب التفسير التي يوجد [31] فيها هذا [32] . مثل [33] . تفسير ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والثعلبي ، والبغوي ، ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا ، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية ، فإنهم ذكروا * مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك ، ولكن هؤلاء المفسرون ذكروا * [34] . ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة ، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ; ليذكر [ ص: 301 ] أقوال الناس وما نقلوه فيها ، وإن كان بعض ذلك هو الصحيح ، وبعضه كذب ، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف [35] . وأمثاله واحد بذكر [36] . بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات ، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك - كان هذا من أفسد الحجج كمن احتج بشاهد يشهد له ، ولم تثبت عدالته ، بل ثبت جرحه ، وقد ناقضه عدول كثيرون [37] . يشهدون بما يناقض شهادته ، أو يحتج [38] . برواية واحد لم تثبت عدالته ، بل ثبت جرحه ويدع روايات [39] . كثيرين عدول وقد رووا [40] . ما يناقض ذلك .

                  بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك لوجب النظر في الروايتين : أيهما أثبت وأرجح ؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة [41] . لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة ، بل هذا الحديث مناقض لما [42] . علم بالتواتر ، وكثير [43] . من أئمة التفسير لم يذكروا [44] . هذا بحال لعلمهم أنه باطل .

                  [ ص: 302 ] الثاني : أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين : إما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ، ولو أنه مسألة فرعية ، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم .

                  فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع ، لم تقم الحجة على المناظرة [45] . إلا بحديث يعلم أنه مسند إسنادا تقوم به الحجة ، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك فأما إذا لم يعلم إسناده ، ولم يثبته [46] . أئمة النقل ، فمن أين يعلم ؟ لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها ، ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة ، فكيف يقبل [47] . في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل [48] . ولا يعرف أن عالما صححه .

                  الثالث : أن هذا الحديث كذب [49] . عند أهل المعرفة بالحديث فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع [50] . ، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب .

                  وقد رواه ابن جرير والبغوي بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد ، أبو مريم الكوفي [51] . ، وهو مجمع على تركه ، كذبه سماك بن حرب ، وأبو [ ص: 303 ] داود ، وقال أحمد : ليس بثقة ، عامة أحاديث بواطيل [52] . قال يحيى : ليس بشيء ، قال ابن المديني : كان يضع الحديث ، وقال النسائي وأبو حاتم : متروك الحديث ، وقال ابن حبان البستي : كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر ، وهو مع ذلك يقلب الأخبار ، لا يجوز الاحتجاج به ، وتركه أحمد ، ويحيى [53] .

                  ورواه ابن أبي حاتم ، وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس ، وهو ليس بثقة ، وقال فيه يحيى بن معين : ليس بشيء رافضي خبيث ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال الدارقطني : ضعيف [54] .

                  وإسناد الثعلبي أضعف ; لأن فيه من لا يعرف ، وفيه من الضعفاء والمتهمين [55] . من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية