فصل .
قال الرافضي : [1] " الثامن : خبر الطائر [2] ، روى الجمهور كافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بطائر ، فقال : ، فجاء اللهم ائتني [ ص: 370 ] بأحب خلقك إليك ، وإلي يأكل معي من هذا الطائر ، فدق الباب فقال علي أنس [3] : إن النبي صلى الله عليه وسلم على حاجة [4] فرجع ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أولا ، فدق الباب [5] فقال : ألم أقل لك إنه أنس علي [6] حاجة [7] ؟ فانصرف [8] ، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم ، فعاد فدق الباب علي [9] أشد من الأولين [10] ، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فأذن [11] له بالدخول ، وقال : ما أبطأك [12] عني ؟ قال : جئت فردني ، ثم جئت فردني ( أنس ) أنس [13] ، ثم جئت فردني الثالثة [14] ، فقال يا : ما حملك على هذا ؟ فقال : رجوت أن يكون الدعاء لرجل من أنس الأنصار [15] ، فقال : يا ، أو في أنس الأنصار [ ص: 371 ] خير من ، أو في علي الأنصار أفضل من فإذا كان أحب الخلق إلى الله علي [16] ، وجب أن يكون هو الإمام [17] .
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بتصحيح النقل ، وقوله روى الجمهور كافة : كذب عليهم ، فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح ، ولا صححه أئمة الحديث ، ولكن هو مما رواه بعض الناس ، كما رووا أمثاله في فضل غير ، بل قد روي علي [18] في فضائل أحاديث كثيرة ، وصنف في ذلك مصنفات ، وأهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا ، ولا هذا . معاوية
الثاني : أن [19] من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم ، والمعرفة بحقائق النقل حديث الطائر [20] ، قال : : " قد جمع غير [ ص: 372 ] واحد من الحفاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار والمعرفة ، أبو موسى المديني كالحاكم النيسابوري ، وأبي نعيم ، وابن مردويه ، وسئل عن حديث الطير فقال : لا يصح " الحاكم [21] .
[ ص: 373 ] هذا مع أن منسوب إلى التشيع ، وقد طلب منه أن يروي حديثا في فضل الحاكم ، فقال : ما يجيء من قلبي ما يجيء من قلبي ، وقد ضربوه على ذلك فلم يفعل ، وهو يروي في الأربعين أحاديث ضعيفة ، بل موضوعة عند أئمة الحديث ، كقوله بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين لكن تشيعه ، وتشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث معاوية ، كالنسائي ، وأمثالهما لا يبلغ إلى تفضيله على وابن عبد البر أبي بكر فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما وعمر [22] ، بل غاية المتشيع منهم أن يفضله على ، أو يحصل منه كلام ، أو إعراض عن ذكر محاسن من قائله ، ونحو ذلك ; لأن علماء الحديث قد عصمهم ، وقيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية عثمان [23] الشيخين ، ومن ترفض ممن له نوع اشتغال بالحديث كابن عقدة ، وأمثاله فهذا غايته أن يجمع ما يروى في فضائله من المكذوبات ، والموضوعات لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين [ ص: 374 ] فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح في فضائل وأصح وأصرح في الدلالة . علي
لم يقل : إنه صح وأحمد بن حنبل من الفضائل ما لم يصح لغيره ، بل لعلي أجل من أن يقول مثل هذا الكذب ، بل نقل عنه أنه قال : روي له ما لم يرو لغيره ، مع أن في نقل هذا عن أحمد كلاما ليس هذا موضعه . أحمد
الثالث : أن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل منه ، فإن إطعام الطعام مشروع للبر والفاجر ، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل ، ولا معونة على مصلحة دين ، ولا دنيا فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله ؟ !
الرابع : أن هذا الحديث [24] الرافضة ، فإنهم يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن يناقض مذهب أحب الخلق إلى الله ، وأنه جعله خليفة من بعده ، وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله . عليا
الخامس : أن يقال : إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن أحب الخلق إلى الله ، أو ما كان يعرف ، فإن كان يعرف ذلك كان يمكنه أن يرسل يطلبه ، كما كان يطلب الواحد من الصحابة ، أو يقول اللهم ائتني عليا ، فإنه أحب الخلق إليك ، فأي حاجة إلى الدعاء والإبهام في ذلك ؟ ! ولو سمى بعلي لاستراح عليا من الرجاء الباطل ، ولم يغلق الباب في وجه أنس . علي
[ ص: 375 ] وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف ذلك بطل ما يدعونه من كونه كان يعرف ذلك ، ثم إن في لفظه : " أحب الخلق إليك وإلي " فكيف لا يعرف أحب الخلق إليه ؟ !
السادس : أن الأحاديث الثابتة في الصحاح التي أجمع أهل الحديث على صحتها ، وتلقيها بالقبول تناقض هذا فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم يصححوه ؟ !
يبين [25] هذا لكل متأمل ما في صحيح البخاري [26] ، ، وغيرهما من فضائل القوم ، كما في الصحيحين أنه قال : " ومسلم خليلا أبا بكر " ، وهذا الحديث مستفيض ، بل متواتر عند أهل العلم بالحديث ، فإنه قد أخرج في الصحاح من وجوه متعددة من حديث لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ، ابن مسعود ، وأبي سعيد ، وابن عباس وابن الزبير [27] ، وهو صريح في أنه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد أحب إليه من ، فإنه الخلة هي كمال الحب ، وهذا لا يصلح إلا لله أبي بكر [28] ، فإذا كانت ممكنة ، ولم يصلح لها إلا علم أنه أحب الناس إليه . أبو بكر
وقوله في الحديث الصحيح لما سئل : " " قيل : من الرجال قال : " أبوها عائشة " أي الناس أحب إليك ؟ قال : " [29] .
وقول الصحابة : " أنت خيرنا وسيدنا وأحب إلى رسول الله صلى الله [ ص: 376 ] عليه وسلم " [30] يقوله بين عمر المهاجرين والأنصار ، ولا ينكر ذلك منكر .
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم محبته تابعة لمحبة الله ، أحبهم إلى الله تعالى فهو أحبهم إلى رسوله . وأبو بكر
وإنما كان كذلك ; لأنه أتقاهم ( وأكرمهم ) [31] وأكرم الخلق على [32] الله تعالى أتقاهم بالكتاب والسنة ، وإنما كان أتقاهم ; لأن الله تعالى قال: ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) ( سورة الليل : 18 - 21 ) .
وأئمة التفسير [33] يقولون : إنه أبو بكر [34] .
ونحن نبين صحة قولهم بالدليل فنقول الأتقى قد يكون نوعا ، وقد يكون شخصا ، وإذا كان نوعا فهو يجمع أشخاصا ، فإن قيل : إنهم ليس فيهم شخص هو أتقى كان هذا باطلا ; لأنه لا شك أن بعض الناس أتقى من بعض ، مع أن هذا خلاف قول أهل السنة والشيعة ، فإن هؤلاء يقولون : إن أتقى الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة هو ، وهؤلاء يقولون : هو أبو بكر ، وقد قال بعض الناس : هو علي ، ويحكى عن بعض الناس غير ذلك ، ومن توقف أو شك لم يقل : [ ص: 377 ] إنهم مستوون في التقوى ، فإذا قال : إنهم متساوون في الفضل ، فقد خالف إجماع الطوائف فتعين أن يكون هذا عمر [35] أتقى .
وإن كان الأتقى شخصا فإما أن يكون أو أبا بكر ، فإنه إذا كان اسم جنس يتناول من دخل فيه ، وهو عليا [36] النوع ، وهو القسم الأول ، أو معينا [37] غيرهما ، وهذا القسم منتف باتفاق أهل السنة والشيعة ، وكونه باطل أيضا ; لأنه قال: ( عليا الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) ( سورة الليل : 18 - 21 ) .